العرب وإشكالية الأغلبية والأقلية

الكاتب:

22 يونيو, 2013 لاتوجد تعليقات

في كل حديث حول الدولة العربية لابد من التأكيد بدايةً إنها لم تولد لدينا دولة بشكلها الحديث كما عند بقية الأمم، وإن ما نشاهده ماثل أمامنا هو كيانات سياسية أُلبست لبوس الدولة حتى لا يلتبس علينا المفهوم عند استكمال النقاش حول إشكالية الأغلبية والأقلية في الدول العربية. لذا سنتجاوز الحديث حول إشكالية الدولة حالياً على اعتبار إن النموذج القومي الديمقراطي التعددي الذي نطمح إليه غير موجود أساسًا وعلى اعتبار أن الدول العربية في معظمها تخضع لحكم أقلية غير ديمقراطية.

في العالم العربي يجري استخدام مفهموم الأغلبية والأقلية للتدليل على الجماعات المذهبية (سنية وشيعية علوية وذرزية) داخل الكيانات السياسية الحالية، ويسير النقاش حول سبل علاج وجود إقلية مذهبية داخل دولة الأغلبية المذهبية المقابلة أيضاً، وهنا نقع في إشكالية عميقة حول القبول بهذا التقسيم والتسليم به، وتالياً البحث في طرق معالجته، أو في اختيار القفز عليه وتجاهله تماماً نزولاً عند قناعتنا الفكرية بأن الأغلبية والأقلية يجب أن تكون سياسية عند الممارسة العملية، ولغوية عند توصيف الأمة، وأن المذاهب لا تعطي اعتبارا لحدود الدول، وبأن الطوائف والمذاهب الدينية لا يمكن بأي حال من الأحوال النظر إليهاء كأقليات قومية في الأمة العربية؛ لأنها ستلزمنا بواجبات وحقوق لهذه الأقليات لا تتحملها دولنا الحالية كوجود أقلية مذهبية تتمتع بحكم ذاتي، أو فدرالية تضمن إعادة توزيع السلطة داخل مناطق نفوذ الأقلية، أو الأستمرار في قمع هذه الأقليات وقهرها مما يستجلب تدويل قضيتها. لذا نجد أن من الأفضل إعادة مفاهيم الأغلبية والأقلية لحيثما كانت، حيث الأغلبية في الأمة للسكان العرب، وأن القصد بالأقلية هنا هي الأقلية العرقية حصراً (الأكراد على سبيل المثال).

 في الديمقراطيات الغربية لم يكتف الغرب بفلسفة حقوق الإنسان حيث أكتشف بعض الفلاسفة إنها لم تشبع نهمّ الأقليات في البحث عن حقوقهم الخاصة، لذا شرعوا في النقاش حول حقوق الأقليات؛ لأن مجرد الأعتراف بوجود أقلية ما ليس كافياً للقول بأن حقوق الأقلية مصانة، فهناك متطلبات آخرى على الدولة الديمقراطية تلبيتها لكي يُعترف لها بحفظ حقوق الأقليات خاصة الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية. وتصنف الأقلية في الدول الغربية في ثلاثة أنواع تحديداً: الأقلية العرقية، والسكان الأصليون، وجماعات الهجرة، ولكل مصطلح سابق احتياجات مختلفة تخضع لمعالجة خاصة به. ولأننا في العالم العربي ليس لدينا جماعات مهاجرة وسكان أصليون فإن ما يجب علينا الأهتمام به هو معالجة مصير الأقلية العرقية في أي بحث يتعرض للأقليات في العالم العربي.

لم يكن التفكير في التعامل مع مشكلة وجود الأقلية من باب الترف الفكري، ولا فائض في الحقوق السياسية والمدنية، لكن ألحاح الحاجة مهد الطريق أمام مفاهيم حقوق الإنسان بدايةً قبل حقوق الأقليات للمرور من بوابة الأغلبية القومية التي كانت تحمل هواجس  الصراعات الأثنو-ثقافية، وكذلك كانت تعاني من عنصرية قوميات مجاورة آخرى كألمانية هتلر الآرية تحديداً، ومن الخوف من الاحتلال بحجة الدفاع عن حقوق الأقلية الألمانية في دول أوربا (جنوب إيطاليا). إذ كان يُنظر دائماً للأقلية كطابور خامس، أو كتهديد محتمل لمساعدة الأعداء على أختراق البلاد وتفكيكها. إذاً كان الهاجس الأمني (الجغرافي السياسي)  للفرد وللجماعة وراء ظهور حقوق الأقليات. فهي علاقة عكسية كلما أطمئنت الأغلبية خارجياً كلما تساهلت في دعم حصول الأقلية على حقوقها داخلياً، وكلما شعرت الأغلبية بالتهديد كلما قاومت بقوة فكرة حقوق الأقلية. إن ما نشاهده الآن من سلوك للأغلبية المذهبية في الدول العربية هو هذه الصورة تماماً، حيث الهلع من خيانة الأقلية مُنتصب، ولأن الأغلبية العربية مُكبلة ولم تحصل الأمة على حقها في تقرير مصيرها بعد فقد جرى اختطاف إرادتها على يد طغمة مستبدة، فأصبحت المذاهب هي المعبرة عن الأغلبية والأقلية وأضحت الأغلبية المذهبية في الأمة تتصرف كطائفة مذعورة والأقلية تشعر بعدم الأمان والحاجة الدائمة للتوحد في وجه الأغلبية وغدى المشهد أشد ظلامية مما نعتقد.

 طرح الفلاسفة الغربيون وعلى رأسهم ويل كميلكا مفهوم “التعددية الثقافية” كأداء لأدماج الأقليات، بعد أن تأكد للغرب بأن الأقلية باقية، ولن تنذثر بفعل الزمن، أو حتى تحت ضغط الإدماج القسري الذي مارسته بعض الدول القومية (فرنسا على سبيل المثال) من خلال إستعصاء نسج تجانس ثقافي سياسي يحتوي الأقلية في إطار دولة قومية موحدة، دون مراعة لخصوصية هذه الأقلية، لذا بدأ التفكير الجدي في فهم مشكلة الأقلية ومسارات علاجها.

استخدم كميلكا “تيرمومتر” خاص لقياس مدى تمتع الأقلية العرقية بحقوقها. بالنسبة للأقلية القومية هناك نقاط خمس لقياس نجاح أو فشل تطبيق مبدأ “التعددية الثقافية”:1/ الحكم الذاتي الإقليمي 2/مكانة اللغة الرسمية3/ ضمانات التمثيل في الحكومة المركزية4/ التمويل العام للجامعات والمدارس ووسائل الإعلام5/التأييد القانوني للتعددية الثقافية. لكن هذه الأمور خاصة بالأقليات العرقية التي تتحدث بلغة واحدة، ولديها تاريخ و ثقافة خاصة بها، وتعيش غالباً في حيز جغرافي محدد.لوسلمنا بفكرة الأغلبية والأقلية المذهبية في العالم العربي فأن مشاكل جمة ستواجهنا؛ منها أن الأقلية المذهبية مُختلطة بالأغلبية وتتشارك معها نفس الدين واللغة والجغرافيا فضلاً عن التشارك المذهبي مع قوميات آخرى مصنفة في خانة الخصومة، لدى يبدو الأمر أكثر تعقيداً لو سمحنا لأنفسنا بمواصلة الترحيب بهذه الثنائية المدمرة.

إن التسليم بالأغلبية والأقلية المذهبية تحيلنا لجولات جديدة من الحروب الطائفية داخل الدول العربية، وخيارات تقسيمية مؤلمة جداً، وكانتونات ضعيفة مقارنة بتعريف المواطنين كعرب و بالعودة إلى الأغلبية والأقلية العرقية التي ستجعل اللغة هي المتحد السياسي والثقافي وستعجل المذاهب الدينية تنكفى كحالة إجتماعية. نحن نواجه تحدي حقيقي كامن في تعريف الأغلبية والأقلية. من هي الأغلبية؟ ومن هي الأقلية؟

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق