المستقبل بلا حسم

الكاتب:

26 مارس, 2013 لاتوجد تعليقات

أي سطور سنكتبها لنرضي شيئا من الشعور بالذنب تجاه هذه الأسماء التي ضحت وما زالت تضحي لأجل مستقبل أفضل لهذا البلد! أجد أنني مضطر للتعبير عن خيباتنا تجاه بعضنا، وأن الاستبداد يجبرنا على الاستسلام للواقع والاكتفاء بكلمة حق أن نقولها، وندع البقية لمستقبل الأيام.

مع الوقت ومع كل التجارب المحيطة من حولنا ومع كل ما حفل به التاريخ من دروس، يظل المستبد معتقدًا أنه الوحيد الذي سينجو مما وقع فيه غيره في السابق، فطالما اعتبروا أن وضعهم في معزل عن غيرهم، وأن لدولهم ومجتمعاتهم خصوصية لا تتشابه مع تلك الظروف التي أدت للتغيير في بلدان أخرى.

مهما عبر الحكماء والناصحون اليوم لهذا البلد، فسيظل خيار المستبد هو الشيطنة الكاملة لكل كلمة، ولكل نصح، ولكل رأي مشفق، وكأنه غاب عن هؤلاء كيف أن جزار سوريا قد انتهج هذا الطريق، وكلنا يعرف اليوم إلى أين اضطرهم وهم ينشدون الخلاص منه.

ربما كان التصعيد الأمني مُسكّنا لمدة وجيزة من الزمن، لكنه ليس علاجا للأمراض التي تعاني منها البلد، فالمسؤولية على السلطة مستمرة، وإن ظنوا أنهم سيعالجون الأوضاع برأي مستبد ودون عملية تحول وتغيير يكون المواطن شريكا في الحكم وإدارة الأمور فيها فهم مخطئون، وإن لم يفعلوها اليوم طواعية، فربما يأتي اليوم الذي تكون المشاركة الشعبية ليست خيارا مطروحا أمام خيارات أخرى أكثر جذرية.

تمثل جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم) شمعة ينبغي أن تستنخ في البلد بمباركة من السلطة نفسها، فحسم ليست عدوا لهذا البلد، حسم هي الضوء المسلط على جحور الفساد السياسي في البلد، وهي وحدَها على ضعفها أصبح المستبد ينظر لها بوصفها أكبر تهديد له في الوقت الحالي!

ما الذي تريد أن توصله للرأي العام أيها السجان؟ إن الناس قد سمعوا كلمة الحق من هاتين الشخصيتين بقدر كبير من الهيبة والاحترام والتصديق، وقد وجدوا أنهم لم يدعوا لفساد ولا لتعطيل تنمية ولا لفرقة ولا لظلم، إن كلماتهم تنشر عبيرا في الأرض نحو الحرية والعدالة والشورى، والكل يقرؤها اليوم ويسمعها منهم ويشاهدهم ينطقونها بعد أن أصبحت شبكات التواصل الاجتماعي خارج سيطرة نفوذك وحكمك، وإن الرسالة التي يقرؤها الناس بعد سجنك لهم أن السجان هو عدو الحرية والعدالة والشورى الأول، وعدوها يعني أنه نصير الاستبداد والظلم والاستعباد.

لماذا كل هذا العنت عن اتخاذ خيارات الإصلاح؟ ألم تكتفوا بعد كل هذه العقود الطويلة التي أدرتم البلاد بطريقتكم الخاصة ونحن نشاهد اليوم إلى ماذا أدت إليه؟ طالما قلتم عن الشعب أنه غير مستعد، ولكأنكم تشتمون أنفسكم وأنتم تقولون أننا خلال عقود من التعليم النظامي المدرسي والجامعي والسيطرة على الإعلام ووسائل الاتصال القديمة قد فشلنا في نقل الشعب لمرحلة الاستعداد للتغيير! ولا داعي لإيضاح الحقيقة أن الشعب هو المستعد ولكن السلطة غير مستعدة، وقد ظلت غير مستعدة منذ مدة التأسيس وحتى هذا اليوم.

لم يكن حشد مزيد من الاحتقان يوما من الأيام خيارا إيجابيا للمستبدين، فالاحتقان هو قنبلة موقوتة لا يتمنى أحد أن تنفجر، وإن القبضة الأمنية إذ تشترك مع ازدياد معدلات الفساد الحكومي والمنقاصات المليارية في حين ترتفع نسبة الفقر في السعودية، ويعاني الغالبية العظمى من الناس من شح في مدخولاتهم مقابل ارتفاع في الأسعار، إن كل هذا ما هو إلا صب للزيت على النار.

ما المستقبل الذي تريده لك ولنا؟ لماذا تُحرج من الخيارات السلمية التي لا سبيل لها إلا كلمة حق تنطقها، ولم ترفع سلاحا ولم تطلق دعوات للتخريب والفوضى والأعمال الإجرامية، وكل الدعوات ما هي إلا صوت إصلاح وتغيير للأفضل، لماذا يخيفك العمل المدني؟ نعم لا شك أنه مستقبل مجهول بالنسبة لك عندما تتغير عليك موازين القوة وتتغير عليك تشكيلات المجتمع التقليدية التي أدمنت اللعب على تناقضاتها لكي تفرض نفوذك. لكن تتجاهل أن التغيير قادم لا محالة سواء اليوم أو غدا، وإن خيار الإصلاح اليوم أقل كلفة من التغيير الذي يُفرض عليك غدا.

بأي حق شرعي تحاكم دعوات الإصلاح والتغيير وتضيق على أصحابها وتسجنهم وتهيء لهم أسوأ الظروف في الزنازين، مخالفا بذلك كل العهود والمواثيق التي وقعت عليها لكنك لم تلتزم بها. فما قيمة الكلمة التي تقولها لتكسب ثقة أهالي المعتقلين لسنوات وأنت تخالف معاهدات وقعتها بقلمك زاعما أنك ستهيء ظروفا أكثر إنسانية في المحاكمات والسجون.

من يستحق المحاكمة في وسائل إعلامك وفي قضائك؟ أين رجالك الأوفياء عن تتبع قصص الفساد المؤلمة التي يعاني منها المواطنون؟ ما قيمة هذه الأجهزة الأمنية المتنفذة في كل وادِ إذا لم ترفع مصلحة المواطن فوق مصلحة الطبقة المتنفذة المنتفعة من الفساد؟ لا داعي للإجابة، فكلنا يشاهد كيف أنها هي بحد ذاتها أصبحت مؤسسات منتفعة من جراء هذا الفساد الذي ينخر في السجون وفي الأجهزة الأمنية. هذه ليست دعاوى ممن تعدهم أعداء التنمية المزعومة! هي تقارير نشرتها هيئات ومؤسسات مقربة منكم عن هذه السجون، عن سجون المباحث وعن سجن الملز وعن أحداث القطيف والعوامية، هي بحد ذاتها إدانة منكم وإليكم.

أما الحديث عن الفساد فيكفي تقرير هيئة الرقابة والتحقيق عن حجم المشاريع المتعثرة في الوزارات الحكومية التي تجاوزت ألف مشروع متعثر! هذا باعترافكم أنتم وليس دعاوى غيركم. كل هذا لم يحدث فجأة ولم نستيقظ بين ليلة وضحاها لنكتشف هذا الفساد، فدعوات الإصلاح أطلقت منذ عقود وإلى اليوم، وعلى رأس دعاة الإصلاح الذي انبرى لهذا الهدف النبيل طوال العقدين الماضيين الدكتور عبدالله الحامد أبو بلال، هي كلمة قيلت قديما وتقال اليوم وتكرر ويرتفع سقف المطالبات وتتغير قوانين اللعبة السياسية مع الزمن، ليكون خروج الناس في الشارع اليوم أسهل من ذي قبل، وهم أصحاب مظالم وذوو حقوق انتهكت انتهاكا صارخا، ولا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم، وإن لصاحب الحق مقالا، وإن نفعت أساليبك القديمة لسنين فهي لا تنفع اليوم بالتأكيد، فأمرك مفضوح.

 خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق