في #اعتصام_بريدة: رهان الحرية.. ورهانات القمع

الكاتب:

3 مارس, 2013 لاتوجد تعليقات

في الثاني من أبريل عام 2011، وبعد اندلاع الثورات في أكثر من بلد عربي، ظهر المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي، وتحدث بالتفصيل عن ملف المعتقلين بتهم تتعلق بالإرهاب، كانت حصيلة من ألقي القبض عليهم 11527 شخصا، وأشار التركي حينها إلى أن الجهات الأمنية أطلقت سراح 5831 منهم، بينما لا يزال قرابة 6 آلاف قيد الاعتقال، وأن المحتجزين على ذمة التحقيق من إجمالي المعتقلين في ذلك التاريخ 616 متهم، إذ تم تسليم الملفات الخاصة بـ 5080 محتج إلى هيئة التحقيق والادعاء العام، تمهيدا لعرضها على المحكمة الخاصة بجرائم الإرهاب وأمن الدولة، وهي المحكمة التي يثير عملها وارتباطها بوزارة الداخلية استفهامات كثيرة.

كانت تلك المرة الأولى التي تتحدث فيها الداخلية عن أرقام المعتقلين، ولم تكن بادرة طوعية منها، فقد شهدت الأشهر الثلاثة الأولى من ذلك العام، وتحت وطأة الربيع العربي، حملات مكثفة في الشبكات الاجتماعية والمنتديات السعودية تضغط باتجاه حلحلة هذا الملف المؤلم لكل السعوديين، كان السواد الأعظم يدفع باتجاه محاكمة المتهمين وإطلاق سراح من لم تثبت إدانته، علما أن بعضا من هؤلاء لم يتعرض لمحاكمة رغم السنوات الطويلة التي قضاها في السجن، مع أن نظام الإجراءات الجزائية المعمول به في السعودية كفل للجهات الأمنية مدة احتجاز لا تزيد عن 6 أشهر، وأجاز قرار لمجلس الوزراء تمديد الاحتجاز سنة أخرى، وذلك حصرا لجهات التحقيق في قضايا جرائم الإرهاب، إلا أن بعض المتهمين قضي سنته الرابعة أو الخامسة أو السادسة في السجن دون محاكمة، وآخرون برأتهم المحكمة ولم يطلق سراحهم !، وهذا باعتراف المتحدث نفسه الذي أشار إلى أن نحو 486 شخصا تم تعويضهم بمبالغ وصلت لـ32 مليون ريال، نتيجة اعتقالهم لمدد تجاوزات الأحكام التي صدرت بحقهم.

هذه أرقام مخيفة، كل ما فيها مخيف، 11 ألف شخص يعتقلون في الفترة ما بين 2003 و 2011، ولا أحد يعرف المعايير التي على أساسها اعتقل كل هؤلاء، وكيف، وماذا حدث بعد اعتقالهم، وماذا ينتظرهم، أسئلة كثيرة وكبيرة حائرة حول هذا الملف الشائك والمعقد، ونحن نعرف جيدا كيف أن أحداث سبتمبر والحرب العالمية ضد الإرهاب فتحت الباب على مصراعيه، كل ما كان ممنوعا على  الأنظمة وأجهزتها الأمنية بات مباحا بعد تفجير البرجين، الإلحاح الأمريكي جاوز كل القدرة والرغبة لدى أنظمتنا في حشو السجون بالبشر، بقدر مساجينك من الإرهابيين “المفترضين” تزداد محبتك، وتصبح حليفا حقيقيا ومقربا من البيت الأبيض، ولو على حساب أمنك واستقرارك ومستقبلك وشرعيتك في إدارة الدولة والمجتمع، النهم الأمريكي وافق غريزة السلطة في القمع والسجن بلا حدود، وأصبح كل ما لا تريده “إرهابيا” يهدد الأمن، كما أنها مناسبة رائعة لحسم التنافس مع الأقران، لا يوجد أفضل من استعرض القوة هذا !.

في الأسبوع الماضي اعتصم الناس أمام هيئة الادعاء والتحقيق في بريدة، وبينهم نساء من أقارب المعتقلين، زوجات وبنات وأخوات انتظرن سنوات للإفراج عن ذويهن دون فائدة، قصص يندى لها الجبين تكفي لعشرات الروايات المؤلمة، وكان العلاج الأمني حاضرا، كما في كل مرة، تجاوز المعتصمون القانون باعتصامهم وحق عليهم العقاب، اعتقالات جديدة لمن طالبوا بالإفراج عن المعتقلين !, يسود اعتقاد خاطئ أن الهيبة لا يمكن الحفاظ عليها بغير هذا السبيل، رغم أن مجريات الأحداث تشير إلى عكس ذلك تماما، وكل المناشدات العاقلة والروح الإيجابية في دعم طي هذا الملف تذهب هباءً منثورا مع أول اختبار، وكنا في رمضان الماضي استبشرنا خيرا ببعض الإجراءات التي أدت للإفراج عن بعض من انتهت محكومياتهم، أو ممن لم يحاكموا بالأساس، لكن شيئا ما يأبى أن يتغير وبشكل جذري في التعاطي مع الملف.

إن قضية المعتقلين عارض لمرض أكبر وعلة أشد، الاستبداد والهيمنة المطلقة والإدارة الفردية للمجتمعات، كل ما ينتج عن هذا الوضع يؤدي إلى كارثة، وقضية الاعتقال واحدة من هذه الكوارث، لا يمكن إطلاق الجميع دفعة واحدة، ولا يمكن محاكمتهم بشكل صحيح في وقت قريب، ولا يمكن قطعا الإبقاء عليهم في السجون ظلما وعجزا، هنا فقط يكون للمشاركة الشعبية ودولة المؤسسات والقانون أثرها، مثل هذه الأمور لا تحدث أبدا بهذا الشكل، وخطر الإرهاب ما كان ليحدث في أجواء الانفتاح وحرية التعبير، ولو حدث تم التعامل معه بما يحاصره لا بما يغذيه ويعممه بين المجتمع .

بعض الملاحظات اللازمة:

  • إشارتي في تويتر للقاعدة واضحة، النفس والخطاب لدى “بعض” الداعمين منفر بمعنى الكلمة، وهذا لا علاقة لها بالأهالي والمعتقلين ومطلبهم العادل بالمحاكمات النزيهة .
  • القول بعدم وجوب انتقاد الخطاب الداعم للمعتقلين، قول خاطئ، وخاصة في هذه الحالة.
  • علمتنا التجارب أن الموقف المبدئي لا ينظر لهوية المدعوم، كما يفعل كثير من السلفيين والليبراليين، لكن الموقف المبدئي يستلزم نقد الخطاب بشدة وشراسة إذا عارض الثوابت التي نؤمن بها.
  • هناك من يزايد دائما، بلا أدنى مسئولية، ومهمته الوحيدة هي المزايدة والمناكفة، هؤلاء لا قيمة لفعلهم وموقفهم .
  • لا يحتاج أحدٌ إذناً من أحد للحديث في شأن يخص مجتمعه.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

عن علي الظفيري

صحفي سعودي ومقدم برنامج "في العمق" على شاشة الجزيرة
زيارة صفحة الكاتب على تويتر

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق