قينان بين المقال الأول والمقال الاخير

الكاتب:

15 فبراير, 2013 لاتوجد تعليقات

وهو يعد العدة لإصدار صحيفة الشرق عام 2011 هاتفني أخي قينان الغامدي وطلب مني  الكتابة في صحيفته الجديدة   فقلت له : أخي قينان كانت لي تجارب سابقة مع رؤساء تحرير سابقين و كانت مقالتي عبئا  لم يستطيعوا حمله ومنهم جهاد الخازن في صحيفة الحياة وعثمان العمير في   الشرق الأوسط. وجمال خاشقجي  في الوطن.  قال: وما هو شرطك قلت ألا تمس يد رئيس التحرير أو من ينيبه  المقال تحسينا وتجميلا، ملائمة اوموائمة، ينشر المقال كله آو يترك كله قال: قبلت، قلت: وأنا قبلت.

مقالي الأول والذي نشر في العدد الأول من صحيفة الشرق بتاريخ  5 ديسمبر 2011  كان بعنوان  حرية الرأي وفيه قلت نصا:

((حرية الرأي  موضوع تاريخه مرتبط بتاريخ الإنسان في علاقته مع الآخر فرداً كان ذلك الآخر أو جماعة.  هذه العلاقة تتشكل من حيث قوتها وأصالتها بما يملكه الفرد  من حرية التعبير عن رأيه ومشاعره  في القول أو الفعل الذي حل به بموجب هذه العلاقة.

العلاقة بين الفرد والآخر تكون معبرة بشكلِ حقيقي وصادق عن كنه العلاقة كلما كان الفرد حراً في التعبير عن رأيه .

حرية الرأي وتأثيرها الإيجابي علي تكوين منظومة العلاقات بين الفرد والآخرين مهمة في مجال العلاقات الشخصية  العائلية  أو غير العائلية لكنها، أي حرية الرأي، تأخذ بعداً أهم ودوراً أكبر في العلاقة بين الحاكم والمحكوم أي بين الفرد والدولة.

وحيث أن حرية الرأي من أعظم وأهم الأسس والقواعد التي تبني عليها العلاقة بين الفرد والدولة فقد نُصّ عليها في الدساتير بعد أن نادت بها  المدارس الفلسفية التي تؤمن بحرية الفرد وكرامة الإنسان.

وكما أن حرية الرأي لها دور وأثر إيجابي في إطار العلاقات الشخصية فإن أثرها الإيجابي أعظم وأكبر في بناء العلاقة بين الفرد والدولة. حرية الرأي تجعل الفرد قادراً على التعبير عن ما يشعر به تجاه ما تقوم به الدولة من أمور تتعلق به وبمستقبله ومستقبل أبنائه والمجتمع الذي يعيش فيه والوطن الحامل هويته والحاضن لتاريخه، دون خوف أو وجل.

صدق المشاعر وصراحة القول مشكوك بها في ظل الخوف علي النفس والمال إلا ما ندر. حرية الرأي تجعل الدولة أكثر إيماناً وتصديقاً بما يقوله  الناس عنها لأنها تعرف أنهم  غير مجبورين أو مأجورين  لذا فانه في إطار حرية الرأي تكون معالجة الدولة للقضايا التي تمس المواطن ، السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية،  أقرب إلى تطلعات المجتمع ورغباته وأقرب إلى الواقع والحقيقة.

الدولة لا تلام إن هي أخطأت الهدف أو لم تحسن الأداء ، ما دام هناك حرية للرأي مضمونة  فالكل هنا شركاء في الخطأ، الدولة والمواطن، أما وإن كان باب حرية الرأي موصداً ودونه ما دونه،  فالمواطن الفاقد لحرية الرأي لا يلام ، وتتحمل الدولة الوزر بكامله. هذه المعادلة لا تصح فقط علي حالةٍ لوحدها أو مشروعٍ بعينه  وإنما تصح علي كل أعمال الدولة وأفعالها وأقوالها.

غياب حرية  الرأي بمفهومها الحقيقي وليس التقليدي في كل البلاد التي عمها الربيع العربي كان أحد العوامل الرئيسة التي أوصلت الأمور إلى دائرة الأزمة المستعصية بين الدولة والمواطن.  تراكمت الأخطاء وتراكمت الأزمات وأفواه المواطنين  مقفلة وممنوعة عن الكلام وعن الجهر بالقول عن الفساد وأسباب الفساد وكيف يمكن علاج الفساد حتى عم الفساد وكبر واستفحل وأصبح التفكير في علاجه ضرب من الخيال أو شيء من الأمنيات المستحيلة . أصاب القنوط  المواطنين وفقد المصلحون الأمل في الإصلاح وسارت الأمور من سيء إلى أسوأ  وهكذا دواليك حتى جاءت لحظة الحقيقة  فكسر الشعب حاجز الخوف وعلت الحناجر تطالب بالحرية والكرامة وتطالب من قيدوا حرية الرأي بالرحيل . هذا ما يتلوه علينا التاريخ العربي المعاصر أما التاريخ العالمي فهو مليء بالعبر والشواهد لمن يريد أن يعتبر.

قد يقول قائل إن لحرية الرأي قيد لابد أن تربط به وإلا ، اختلط الحابل بالنابل ، وأقول: القيد مناف للحرية لغة ومعنى ، والقيد باب يلج منه من يريد أن يفرغ حرية الرأي من مضمونها وفعلها.

نعم يجب أن يكون لحرية الرأي قواعد وقيم تنظمها ولا تلغيها أو تحد من دورها. هذه القواعد والقيم علي مستويين: الأول فردي : حيث يفرض الفرد علي نفسه  معايير تضبط استخدام الحرية في الرأي منها المعيار المنطقي والمعيار العلمي والمعيار الأخلاقي  ؛ والمستوي الآخر هو المستوي الجمعي ؛ وهنا يضع المجتمع معايير وقيم ترسم الفلك المجتمعي والأخلاقي لممارسة حرية الرأي. في المجتمعات الديمقراطية يرسم هذا الفلك ويؤطره ممثلو الأمة في برلماناتها.

وان تعذر ذلك فالعرف والتقاليد المجتمعية هي التي تقوم بذلك. إما أن يوكل إلى الحكومات وضع ضوابط وقيود علي حرية الرأي فهذا أمر قد يفرغ حرية الرأي من مضمونها الحقيقي  وهدفها الأساسي وهو حماية الفرد من قوة الدولة.

عندما يتعذر وجود قانون ملزم للدولة يحمي حرية الرأي يصبح واجب مؤسسات المجتمع المدني وأهمها في هذا المجال المؤسسات التي ينضوي تحتها المثقفون والأكاديميون والكتاب  حماية حرية الرأي والوقوف في وجه المعتدين عليها حتى يصبح هذا الموقف عرفاً ومبدءاً مجتمعياً قوياً يصعب علي وزير الثقافة أو الإعلام أو أي مسئول كان تجاوزه والقفز عليه.

منذ فترة هاتفني الأخ والصديق قينان الغامدي وطلب مني أن أشارك في كتابة مقال أسبوعي في جريدة الشرق التي  عُين رئيساً لتحريرها ، والأخ قينان تربطني به صداقة  صحفية منذ أيامه في جريدة الوطن ، فلم أستطع إلا قبول الدعوة شاكراً، ثم قلت له أرجو أن يكون في هذه الجريدة الجديدة إضافة نوعية ومنبر يأخذ حرية الرأي مسافة إلى الأمام  . بعد انتهاء المكالمة وإذ بسؤالٍ يلح علي : كيف قبلت وأنا الذي قررت  الانسحاب الجزئي من الكتابة الصحفية؟

كنت قد أحسست منذ فترة  ورغم ما يقال عن الانفتاح ، أن الكلمة أحياناً تقف في صدري وتمنع من الخروج  كما أريدها. شرطي الوحيد  عندما أكتب أن يُقبل المقال كله أو يُرفض كله إلا من تصويبات اقبل بها ليست لها علاقة بجوهر الموضوع.

لم أتردد في قبول الدعوة إلى الكتابة لان الأمل كان أقوي من الإحباط  وفقدان الأمل  في الإصلاح والحرية  يفرغ الحياة من معناها الحقيقي.))

مقال الاخير في الشرق ( مستقبل مجهول يصنعه حاضر غير سوي ) الذي نشر بتاريخ 4 فبراير 2013  وحسب اعتقاد  الكثيرين من المغردين والمعلقين كان السبب في اقالة   قينان من رئاسة التحرير وايا كان السبب فقد ذهب قينان وقد  وفي  بوعده ولم يمس أي من مقالاتي بسوء , كان أمينا وفيا بوعده.

اهم من وعده لي كان قينان وفيا لوعد قطعه على ضميره وهذا قولي وليس قوله ، بأن لا يكون حاجبا لكلمة حق يرى أنها في مصلحة الأمة . كان قينان رمزا لرئيس تحرير  يصارع القيود ويحاول رفع سقف الحرية ما أمكن . حمل قينان  سقف هذا الباب على كتفيه لكي يلج منه كل كتاب صحيفته ، زاد الحمل عليه  بين كتّاب يدفعون بسقف الحرية إلى أعلى  ونظام يملك السلطة  يريد إبقاءه منخفضا . القول الفصل والقرار في يد صاحب السلطة فذهب قينان . إقالة قينان  في نظري تاج على رأسه وعمل وطني يسجل له .

حرية الرأي حق اصيل لكل مواطن في الدساتير الدينية والمدنية  وليسة هدية من الحاكم يمنحها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء .

يذهب قينان واذهب انا ويذهب غيري ويبقى الوطن.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق