الحالة الشبابية في السعودية

الكاتب:

3 فبراير, 2013 لاتوجد تعليقات

يشكل الشباب فرصة ومادة للإنطلاق نحو التقدم بصفتهم أحد عوامل نهوض الأمم، ويعد الشباب المادة الأكثر حركة ومرونة وفاعلية، والأكثر تخصيبًا في المعمل الاجتماعي، وتحسب الحكومات نسبهم من المجموع السكاني العام بشكل دقيق، فهم الفلك الذي يدور فيه التخطيط والتفكير الاستراتيجي للحكومات.

في لحظة تاريخية فارقة (الربيع العربي) اكتشف الشباب السعودي نفسه، واكتشف كل فرد فاعل الآخرين الشركاء له في الوطن، عندما عمد الشباب السعوديون للعمل على تكثيف الحديث حول قضايا الإصلاح السياسي في السعودية، وتجلى ذلك أكثر في البيانات الإصلاحية المشتركة والحملات الإعلامية التي انطلقت على الشبكة العنكبية. وجد هؤلاء الشباب همًّا مشتركًا يجمعهم تحت عنوان كبير هو: الإصلاح السياسي. فراح كلّ فرد يعبر عن المخبؤ في ثنايا قلبه بمواقف مُفعمة بالأمل تطالب بالانتقال نحو الديمقراطية، لكن الديمقراطية لا تتأتى بمجرد التمني.

فالحالة الشبابية في السعودية ما زالت هلامية ولا يمكن الاعتداد بها باعتبارها حالة تيارية عامة، وعليه فلا يمكن المراهنة عليها في إحداث تغيير جذري في بنية الدولة. هذا كلام سابق لأوانه، في الواقع هي في أحسن الظن حالة جنينية لم يثبت الأطباء مقدرتها بعد على إتمام عملية الولادة. الربيع العربي بقدر ما هو فرصة لولادة هذا التيار فقد يتحول لمجهض له، فالمواقف السياسية الخارجية في الإقليم تنعكس بشكل كبير على الأطياف الشبابية، وقد سبق أن أدخلتهم في تصادم حاد ومباشر مع بعضهم البعض مما أحدث شرخاً في علاقة هي أصلاً رخوة وعرضة للوأد، ولذلك أسباب منها شح المواضيع السياسية الداخلية الحيوية القادرة على الاستمرار في تغذية النقاش العام مقارنة بالقضايا الأقليمية.

تتشكل من هؤلاء الشباب فسيفساء الوطن. ينحدر هؤلاء الشباب من مشارب فكرية واجتماعية مختلفة، تتوزع بين أقصى اليمين وأقصى اليسار. ليس لهم إيديولوجيا مؤطرة واضحة التفاصيل وهذه نقيصة في أي تيار يسعى للتغيير، فدائماً ما كانت تُطرح الإيديولوجيا بمعناها السلبي لا الإيجابي. التيار الليبرالي السعودي نهض على فكرة “تحرر المرأة” والتمايز عن كل ما هو “سلفي”. تفرق الشباب في قضايا كثيرة ولم تتضح معالهم إلا في قضيتي الفساد وقضية المعتقلين بلا محاكمة. هؤلاء الشباب هم من يسبح اليوم عكس التيار السائد، و يغردون خارج سرب الصمت. هم بالضرورة من خارج الأطر التقليدية (الطائفة، القبيلة، المنطقة) متمردين عليها لا نبذاً لها ولا رفضاً لوجودها، أونكرانًا لدورها الثقافي والاجتماعي، لكن تحاشياً لتحويلها لممثل سياسي لأفرادها. وإذ يفترض في الشباب أن ينطلق في الفضاء العام من نقطة التمايز عن ولاءات ماضوية فإن ذلك ليس بالضرورة واقع على الأرض، فالبحث عن هوية جامعة وطنية تتسع للجيمع وتساهم في تحقيق أماني الجميع بلا استثناء كثيرًا ما تصطدم بالانتماءات التقليدية للأفراد وبدوائر مصالحهم.

يختلف هؤلاء الشباب عن البقية في كونهم متصدين للشأن العام، غير مكتفين بأمورهم الحياتية الخاصة. لأن الوضع الرهان بشكل عام غير مُطمئن فمن الطبعي أن تتعالى أصوات الشباب طلبًا للإصلاح. بمعنى آخر، هم الفئة الأكثر قلقًا في المجتمع وعليه، ولقلقها مبررات كثيرة حيث دولة الفرد تسطو على دولة الأمة ببجاحة مفزعة، وحيث الفساد في دولة الفرد وصل إلى أعلى مستوياته يمشي جنبًا إلى جنب مع البطالة في بلد به تسعة ملايين وافد. هم حصرًا من يُطالب ويعمل بكل قوة واقتدار على إحداث تغيير في بنية الدولة والمجتمع بالطرق الحضارية، والمقصود ببنية الدولة هنا الاقتصاد والسياسة والمجتمع وليس تطوير مجلس الشورى أو ترقيته من كونه مجلس معين الأعضاء إلى مجلس منتخب يصل إليه نواب من حاضنات اجتماعية تقليدية (قبلية، طائفية، مناطقية) تضاعف الأزمة ولا تعالجها كما هو حال مجلس الأمة الكويتي. فالتغيير المطلوب هو تغيير جذري على جميع الأصعدة، أي تغييرًا بنيويًّا في قاعدة النظام السياسي من نظام تغلبي إلى نظام تشاركي ينتج عنها مستقبل، تغييرا مباشرًا في البنية الاجتماعية من خلال اقتصاد إنتاجي يقوم على الصناعة لا على الاستخراج (نفط، وغاز) قادر على تحقق توزيع عادل للثروة عن طريق التنمية المتوازنة بين المدن.

تستقي هذه الحالة الشبابية أفكارها من المبادئ العالمية العامة لحقوق الإنسان: حق العيش والتملك، حرية التعبير والتفكير، المشاركة في الحياة السياسية، حرية تشكيل منظمات مجتمع مدني، المساواة والعدالة أمام القانون. لكن ضعف الإطار الفكري والنظري لهذه المفاهيم في الثقافة المحلية جعل الاختلاف حولها واضحًا حتى بين الناشطين الموقعين على البيانات الإصلاحية، فالملاحظ من خلال النقاشات العامة التي تدور رحها في مواقع التواصل الاجتماعي، إن دخانًا كثيفا يُغطي على معاني هذه المفاهيم الحديثة على المجتمع ومضامينها، فلكل طرف تفسيراته الخاصة به، التي عادةً هي نتاج خلفيته الفكرية، فالإسلامي على سبيل المثال يختلف مقياسه لحرية التعبير عن الليبرالي وعن اليساري وقد تجلى ذلك في أكثر من مناسبة وقضية، وقس على ذلك في بقية المفاهيم السياسية الكبيرة كالدولة المدنية والديمقراطية.

تجمع هؤلاء الشباب الرغبة في تغيير الواقع البائس الذي يواجههم أينما ولوا وجوههم في أغنى بلد في العالم، حيث تعجز إدارته عن توفير الحد الأدنى من طموحات الشباب من وظائف ومساكن وغيره وهم أهم شريحة اجتماعية. يمتاز هؤلاء الشباب بوعي سياسي متقدم نتيجة الطفرة المعرفية التي حصلت في العقدين المنصرمين، وقراءة جيدة للاحداث السياسية من حولهم، فهم يتفاعلون مع الاحداث من أقصى المغرب العربي الي أدنى مشرقه، لكن هذه الحالة لم تتطور لتتحول إلى تيار عام؛ ولأن الوعي الذي لا يستثمر في بناء حركة اجتماعية تنتزع الحقوق المدنية والسياسية يتحول إلى وعي مجذوم، فإن التركيز لا بد أن ينصب على تعضيد هذه الحالة ورفدها بالأفكار.

إن التيار الشبابي السعودي ما زال يحبو على ركبتيه. إن التعثر الحاصل هو نتيجة الخوف من المجازفة بالقطيعة مع الماضي. الحاصل الآن هو اكتشاف لملامح ذات جديدة. إن التردد يُعدينا للمربع الأولى. إن الانخراط في الحالة المدنية هي لبنة أولى في بناء تيار شبابي صلب شريطة أن يكون متجاوزًا للولاءات السياسية لإنتماءات ما قبل الدولة.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

مقالات ذات صلة:

  1. الربيع السعودي في 2011

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق