المؤسسة الفقهية والمهمشون

الكاتب:

11 أكتوبر, 2012 لاتوجد تعليقات

ليست مهمة المثقف تبرير واقعه، بل مهمة المثقف المقدسة المساهمة في تحقيق واقع يتطلع إليه, المثقف ليست وظيفته هي التكريس بل التنوير، وظيفته ضخ الدم في جسد التطلعات لتصبح واقعا, وفي نظري متى ما تخلى المثقف عن هذه الوظيفة فهو يتخلى عن صفة الثقافة, هذا المدخل الذي أتيت به ليس إلا لنقد أراء المؤسسة الفقهية -التي يشكلها فقهاء هم في النهاية يعدون من جملة “المثقفين” في المجتمع- بخصوص الأطراف الضعيفة في المجتمع  وأن آراءهم في الجملة كانت تكريسية ولم تكن تنويرية, وكانت المؤسسة الفقهية في جزء طويل من تاريخها إنتاجا للمجتمع نفسه وهي تعيد إنتاج المجتمع بعيوبه فالعلاقة بينهما كانت جدلية أكثر منها تقويمية, فالمؤسسة الفقهية الكبرى التي ظل يسعى لها طلبة العلم ويحلمون أن يكونوا جزءا منها يوما ما لم تكن تحمل تعاطفا إنسانيا مع المهمشين اجتماعيا؛ بل كانت في الحقيقة عصا مع المجتمع لضرب ظهورهم, المؤسسة الفقهية في جزء من تاريخها كانت قد تمتعت بالجرأة على تحدي السلطة السياسية لكنها في الحقيقة لم تجرؤ على تحدي السلطة الاجتماعية ومنظومتها الفكرية المتماسكة والمتوارثة قبل الإسلام بدون التأكد من دعم السلطة المسبق لمواقفها, وقصدي من هذه المقالة هو عرض تعامل المؤسسة الفقهية مع طائفتين من المهمشين؛ هم أولا المرأة والرقيق. وكيف أن  المؤسسة الفقهية كرست دنو هذين الصنفين المتوارثة اجتماعيا من خلال الأحكام الفقهية المختلفة.

فأولا في قضية المرأة نقول: إن المؤسسة الفقهية يشكلها رجال محاطون بتقاليد اجتماعية لا تختلف كثيرا عن تقاليد المجتمع نفسه فلهذا لنفهم الأحكام الفقهية المجيرة ضد المرأة يجب أن نفهم بأنهم انطلقوا أولا من هذه المنظومة الاجتماعية لتبرير واقع المرأة الموجود لديهم مسبقا ولم ينطلقوا من المصدرين الأولين للتشريع اللذين هما القرآن والسنة فلذلك يجب أن لا نستغرب إن رأينا ذلك الإصرار من الفقهاء على جعل المرأة أقل من الرجل ففي قضية الدية: تقول المذاهب الأربعة أن دية المرأة على النصف من دية الرجل فيقول ابن قدامة” قال ابن المنذر ، وابن عبد البر :  أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل. وحكى غيرهما عن ابن علية، والأصم، أنهما قالا: ديتها كدية الرجل (1)” وهنا دلالة الإجماع -رغم أنه مخروم- تحمل مدلولا قويا وهو توارث هذا القول وتماسكه وهذا يعكس صورة المؤسسة الفقهية التي تريد تكريس هذه الفتوى التي تحمل معنى النقص في المرأة, وظلت المؤسسة الفقهية تتوارث هذا القول تلميذا عن شيخ حتى قيض الله لها الشيخ محمد شلتوت و محمد الغزالي ويوسف القرضاوي ليثبتوا أن هذا القول ليس له مستند لا من القرآن ولا السنة بل هو يعارض عمومات القرآن والسنة وصريح القياس (2) ومن الحجج العقلية التي ظلت المؤسسة الفقهية تروجها لإثبات صحة قولهم هو : قولهم إن العائلة بموت الرجل ينهد ركنها بعكس المرأة التي لا تعول بل تعال فيقول الشيخ القرضاوي ردا على هذا الدليل البارد إن الشارع في باب الديات لم يعر لهذا الاعتبار التفاتا فدية الطفل الصغير الذي يُطعم ولا يُطْعِم مثل دية صاحب أكبر شركة ولو كان مسؤولا عن إعطاء رواتب لألف شخص.

وأما العبد فهو الآخر كان يعاني تهميشا اجتماعيا قاسيا يصب في طموح الإنسان الأزلي أن يفاضل بين بعض جنسه على البعض الآخر وما زالت قضية العبودية غير مفهومٌ سبب استمرارها في العالم الإسلامي فالأصل في سبب الاستعباد -كما يقول المفكرون الإسلاميون- حينما يعرفونه هو قولهم: “عجز حكمي يلحق بالإنسان سببه الكفر بالله تعالى ” وإذا سلمنا أن الفرد الأول استحق للاستعباد لأنه كافر وقاتل المسلمين لماذا تكون جناية هذا العبد سارية على أبنائه ويتم استعبادهم رغم أنهم قد يولدون مسلمين -كما هو الغالب- هنا وافقت المؤسسة الفقهية على وجود الرقيق استجابة للحاجات الاقتصادية للمجتمع والتي زادت مع التوسع في التجارة والمدينة, والمؤسسة الفقهية كانت تنظر إلى الرقيق كما تنظر إلى الأملاك ولم تر الرقيق إنسانا كاملا بل هو مرحلة بين الحيوان والإنسان  لذلك قال من لا يُملِّكُ العبد كما ينقل عنهم ابن قدامة “إن العبد متردد بين الحر وبين البهيمة في أنه يملك, فمن لم يملكه قال: حيوان يجوز بيعه، ورهنه، وهبته، وإجارته، وإرثه، أشبه الدابة “

وقامت المؤسسة الفقهية متمثلة بالمذهب المالكي والشافعي والحنبلي في ترسيخ هذا “التسليع” و “التشييء”  للعبد مؤكدة سفوله وهامشيته الحاضرة اجتماعيا مسبقا وإنما المؤسسة الفقهية أكدت هذا السفول في العبيد بأن ردته إلى الإسلام بأن قالت: حتى وإن قتل الحر العبد قاصدا فإن الحر لا يُقتل بالعبد! وكل ما على الحر أن يفعله هو أن يعوض مالك العبد بأن يدفع له ثمن عبده الذي أتلفه وأذهب فائدته عليه. فليس هنالك حق لأبناء العبد أو أخوته أو زوجته وإنما الحق للمالك الذي هو حر ٌ فالعبيد أصلا غير مشتركين في هذا الحق وإنما هو قضية تُدار بين الطبقة العليا للمجتمع، الطبقة المتألهة، الطبقة المسؤولة عن من لم يصير إنسانا كاملا. طبقة الأحرار الذين يستطيعون أن يملكوا؛ أما العبيد الذين تربطهم رابطة دم مع الميت لا يجب أن يدخلوا في هذه القضية لأنهم لم يصيروا بشرا كاملي الأهلية بعد.

وفي النهاية نقول إن المؤسسة الفقهية في مجملها كانت مفرغة من النظرة الإنسانية للآخرين و لم تكن متعاطفة مع الطبقات المهمشة من المجتمع ولم تقم بدورها كما ينبغي لها بأن تكون مؤسسة ثقافية طلائعية وتبشر بواقع مختلف بل كانت تكريسية لواقع موجود بل في مرحلة ما أصبحت عائقا للتغيير وأن المؤسسة الفقهية بشكل مجمل في تاريخها الطويل كانت محافظة وأنها لا تطور أدواتها البحثية إلا تبعا للمجتمع وحتى في يومنا هذا مازالت هذه العلة تقيدها فمازالت المؤسسة الفقهية تقدم رجلا وترجع أخرى بخصوص الديمقراطية لأنها لم تصبح واقعا بعد، وإن صارت واقعا سنرى القول المعتمد لدى المؤسسة الفقهية هو قبول الديمقراطية. ومثل قضية الديمقراطية قضية الخروج على الحاكم إذ كانت في وقت من الأوقات من المسلمات التي يحدد فيها الفرد هل هو سني أم مبتدع أما بعد خروج الشعب في الربيع العربي أصبحت هذه المسلمة مجرد اجتهاد فقهي ..

وفي الختام أقول: لقد كان الاستبداد على مر العصور يتمثل في أشكال مختلفة من نظام سياسي ونظام اجتماعي واقتصادي ويجب أن يكف عن التمثل في المؤسسة الفقهية لأن الفقه يقدم نفسه بأنه حكم الإسلام.

ـــــــــــــــــــــــ

1-     المغني لابن قدامة ..انظر هنا http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=5971&idto=5971&bk_no=15&ID=5857

2-     بحث للشيخ القرضاوي http://www.qaradawi.net/2010-02-01-08-43-29/4553.html

3-     المصدر السابق

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق