التحليل المكاني للربيع العربي – لماذا حصل هنا، لماذا لم يحصل هناك؟ 2 – 3

الكاتب:

26 سبتمبر, 2012 لاتوجد تعليقات

  • ما الدول العربية التي شهدت ممارسات ديكتاتورية تعددية؟

كي نحاول قياس وجود أو غياب هذا النوع من الديكتاتورية من بين الديكتاتوريات العربية سأستعمل 3 معايير أساسية:

أ‌)    وجود انتخابات برلمانية.

ب‌)  وجود انتخابات الرئاسية.

ت‌)  وجود الأحزاب.

والمقصود بوجود الأحزاب أي وجودها بشكل قانوني أو وجودها بشكل فعلي حتى وإن كان غير مسموح به قانونيا، ولكن مع التفريق بينهم في التصنيف بنصف درجة.

ولم تُحسَب الإمارات كدولة برلمانية وذلك لأن الانتخابات في الإمارات لا يمكن عدها ممثلة للشعب حيث يسمح لبعض المواطنين فقط بانتخاب النصف غير المؤثر من المجلس، والدولة هي التي تختار من يمكنه الإدلاء بصوته (!).

 

وفي هذا الجدول يتبين لنا أن عديدا من الدول العربية عاشت شكلاً من أشكال التعددية الديكتاتورية التي تحدثنا عنها. والآن إذا قارنا نتائج الجدولين في جدول ثالث منفصل سنجد النتائج التالية:

وعددت أن العلاقة دقيقة إذا كان الفرق بين النتيجتين يقع بين صفر ونصف درجة، ودقيقة جزئيا لو تراوح الفرق بين درجة إلى درجتين، وغير دقيقة لو كان 2.5 فما فوق.

  • ·      قراءة النتائج:

النتائج تظهر ترابطا عاليا. هناك علاقة تتراوح بين “دقيقة” و”دقيقة جزئيًّا” في كل الدول العربية باستثناء دولتين فقط هما لبنان وجزر القمر، وهما حالتان سنتطرق لهما لمحاولة فهم خروجهما من هذا الترابط.

عود على بدء، قال تويريل أن هناك سببين لهذه الظاهرة (ظاهرة ارتفاع احتمالية الانتقال الديموقراطي في الأنظمة الديكتاتورية التعددية): السبب الأول هو أنه مهما كانت الممارسات التعددية صورية وسطحية فإنها تجبر النظام على التقرب من الناخب ومحاولة كسب وده. والثاني يكمن في أن الممارسات التعددية تفتح الباب لوقوع خلافات بين النخب الحاكمة بعضها البعض، على عكس الأنظمة الشمولية ذات الحاكم الواحد والحزب الواحد، التي تميل أكثر إلى طاعة رأي واحد. والترابط بين خلافات النخب الحاكمة واحتمالية الدمقرطة هو ترابط متعارف عليه في دراسات الدمقرطة، ذلك أن عددا كبيرًا من حالات الانتقال الديموقراطي حول العالم قد حصلت بسبب خلافات النخبة وحتى دون وجود ضغط شعبي في الشارع في بعض الأحيان. وهذا يتناسب مع النظام العربي الذي رصد علماء السياسة مروره بمراحل تغيير النخبة في العقود الأخيرة، فصارت هناك نخب أمنية تزاحم العسكرية (مثل وزارات الداخلية التي ازداد نفوذها)، وبرزت نخب رجال الأعمال لتقلل نفوذ رجال السياسة ودخلت أجيال جديدة من المستبدين أصغر بكثير من الأجيال المتربعة على السلطة ونشأت بينهم حساسيات واختلافات.

وهذا يمكن ربطه بالروايات المتعددة التي تقول بأنه حين اشتدت الثورة التونسية أمر بن علي الجيش بالقصف فرفض الجيش، وأن قيادة الجيش المصري رفضت أوامر بارتكاب مذبحة في ميدان التحرير، بينما في ليبيا وسوريا رأينا القوات المسلحة تطيع الأوامر في القتل حتى آخر لحظة، والعصيان لهذه الأوامر وُجِهت بالإعدام مما دفع الجنود لأن ينشقوا ويهربوا من فرقهم العسكرية.

بالإضافة لهذين السببين الذين يقترحهما تويريل هناك أسباب أخرى يمكن افتراضها هنا:

1-    الممارسات التعددية تسمح بتشكل كيانات مما يسهل حشد الجماهير

وهذا العامل بدا واضحاً في الربيع العربي حيث تمكنت كيانات سياسية وغير سياسية مختلفة من اتخاذ موقف حين احتدمت الأحداث. وهذا يتضمن كيانات غير سياسية في طبيعتها مثل روابط مشجعي كرة القدم في مصر (الألتراس)، وجمعيات الأطباء في البحرين. بينما في الدول التي لا تتيح مجال لإنشاء كيانات حقيقية تعمل في العلن سيجد انصار التغيير صعوبة في الحشد سواء للنزول للشارع أو لإصدار بيان أو للإضراب عن العمل أو غير ذلك.

2-    الممارسة التعددية تحدث تغيير في طريقة التفكير الجمعية

من الطبيعي أنه حين تستقر فكرة التغير عبر الصناديق في تفكير عشرات الملايين من المواطنين أن يتشكل وعي جمعي مختلف عن الذي تشكل في ظل الأنظمة التي لا يوجد لسكانها أي قناة رسمية ولو صورية للتغيير ولا سلطة لهم في تحديد من يخولونه بإدارة شؤونهم العامة، ففي هذه النظم يكون التفكير في التغيير ليس واردا بشكل جماعي منظم إنما بشكل فردي على الأغلب.

وهذا التحليل مرتبط بدراسات الإعلام والاتصال الجماهيري، حيث يؤدي الانفتاح السياسي والإصلاح إلى إدخال بخيارات سياسية جديدة على الوعي العام وعليه طريقة تفكير جديدة. وهذا التغير الجماعي في معلومات المواطن سيحدث فجوة بين ما يفضله بعض المواطنين وما يفضله النظام السياسي، وإذا ازدادت الفجوة وازداد عدد المواطنين الذين يفضلون مسارات سياسية مختلفة عن مسارات النظام السياسي كلما زادت فرص الثورة.

وهذه الآلية مذكورة في أدبيات الإعلام والاتصال الجماهيري، وتطبيقها هنا في أن النظم التي سمحت بهامش من الممارسة التعددية قد غيرت التفكير الجماعي للمجتمع، وأدخلت على كل المواطنين فكرة التغيير ببعض السبل كالانتخابات وغيرها، مما جعل الوعي الجماعي متقبل منذ فترة طويلة فكرة تغيير رأس النظام أو تغيير الحكومة أو البرلمان أو محاسبة كبار المسؤولين أو انتقادهم على الملأ أو مقاضاتهم.. إلخ، على عكس الأنظمة التي لا تسمح بهذا الهامش، التي يكون فيها التفكير الجماعي في سبل التغيير غير موحد ولا واضح ويدفع الناس نحو التفكير في التغيير بالعنف بسبب غياب سبل التغيير السلمية.

ولذلك من الشائع أن تجد صحيفة كويتية تتكلم عن مخالفة الدولة للدستور في قضية ما مثلا، أو أن تجد معارضا مصريا أيام حسني مبارك يقول أن التوريث مخالف للديموقراطية، وأن تجد غير ذلك من نقاشات التي تختلف اختلافا شاملا عن نقاشات المعارضة في الأنظمة التي حرمت التعددية مثل ليبيا أيام القذافي أو العراق أيام صدام حسين.

3-    صعوبة سحب الإصلاحات المؤسساتية

الإصلاحات الصورية التي يمنحها حاكم ديكتاتوري ما لشعبه يمكن سحبها وإلغاءها بشكل أكثر سهولة في الأنظمة الديكتاتورية غير التعددية عنه في الديكتاتوريات التعددية التي تجد نفسها مضطرة لأن تجعل إصلاحاتها مؤسساتية. الحاكم الديكتاتوري في نظام غير تعددي يطلق وعود عن حرية الرأي مثلا في خطاب له هنا ويطلق وعودا أخرى بمكافحة الظلم في تصريح هناك وبعد ذلك يطبق هذه الوعود أو يخلفها كيفما شاء ولن يحاسبه أحد. في الأنظمة الديكتاتورية التعددية تتم الإصلاحات في شكل مؤسساتي أكثر ومرتبط بقرارات مكتوبة وقوانين مدونة ووزارات وأجهزة حكومية وقد تتدخل في تثبيت هذه الإصلاحات مجموعات مدنية، بمعنى آخر يصبح سحب هذه الإصلاحات أصعب خصوصا مع كثرة اللاعبين على الساحة، وهذا يعيدنا لما قاله تويريل من أن التعددية في هذه الأنظمة يفتح الباب لانشقاقات النخبة وخلافاتها وهذا بدوره يزيد من فرص الانتقال الديموقراطي.

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق