قراءة في مشروع اندماج الشيعة الوطني

الكاتب:

4 أغسطس, 2012 لاتوجد تعليقات

اطلعت على برنامج العمل المقدم قبل ما يقارب خمس السنوات، الذي نُشِرَ إلكترونيًّا قبل مدة من مثقفين وناشطين شيعة بهدف “إدماج الشيعة في الإطار السياسي الوطني” ، وعلى عدم وجود العنصر السني – وهذا أول ما لاحظته  – ضمن معديه إلا أن هذا لا ينتقص من وطنية مطالبه التي تهم المواطن السني كما تهم الشيعي فهي مسألة وطنية ليست خاصة بالشيعة فقط، فضلا عن أنه لا ينبغي النظر إلى معدِّيه بصفتهم شيعًة، تأسيسًا لفكرة المواطنة التي ينادي بها المشروع، فهم مواطنون سعوديون أولا وأخيرا كما عبر عن ذلك نص البرنامج.

المشروع مهم من عدة نواحٍ، فهو  صوت وطني متزن يتبنى خطابًا قريبًا من الحكومة لا معادٍ لها، وبناء على ذلك يمكن تبنيه دون تشكك أو قلق، كما أنه يعرض أشكال التمييز الذي يقع على الشيعة دون تحامل، ويرد على كل من ينفي تهمة التمييز ويشوش على المطالبات الحقوقية صباح مساء بإسطوانة “هاتوا أدلتكم”.

 المشروع المقدَّم يخاطب السلطة ببرنامجه وهذا ما لا يبدو حكيمًا –ظاهريًّا- في وقتنا الحالي خصوصًا في ظل تنامي أهمية العمل الأهلي الشعبي وقوة تأثيره في مقابل تصلب موقف الدولة الرسمي، لكننا يجب أن نأخذ في الاعتبار سياقه الزمني وأسلوب التفكير والخطاب في ذلك الوقت الذي يركز على مخاطبة السلطة بشكل مستمر من قبل جميع الإصلاحيين أصحاب المطالب، ويأخذ من العرائض والبيانات وسيلة شبه وحيدة في التعبير عن المطالب فئويةً  كانت أو وطنية.

مع ذلك أدرك أنه فضلا عن أن توجيه الخطاب للسلطة يحملها مسؤوليتها الأساسية في العمل على دمج المواطنين من كافة أطياف المجتمع داخل دولتهم تحت مظلة المواطنة، فإن السياسي الذي يتبنى التحريض الطائفي أو يسكت عنه في أفضل الأحوال إذا تبنى المشروع سيضمن الشعبي والديني تلقائيا، أي أنه “سيضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد”،  فالشعبي متأثر جدًّا بالسلطة السياسية ومرتبط بها وهي التي تحظى بشرعية دينية، والديني وفي أسوأ الأحوال إن لم تستطع السلطة استنطاقه لشرعنه الخطوة ومباركتها فعلى الأقل هي قادرة على ضمان سكوته مما يفسح  الطريق بينها وبين الشعبي،  أما العكس فغير صحيح، فالبدأ بالخيار الشعبي طريقه أطول ومقاومته لمثل هذا المشروع تحديدًا أكيدة، فاللجوء للسياسي والحال هذه أسهل وأقصر وأضمن، والأهم من هذا كله أنه يمكن اعتبار المشروع بمقام الإعذار في مواجهة السلطة السياسية أو بتعبير موال ” يرفع واجب النصح لولي الأمر ” وهذا مهم حتى لا يُتهم أي حراك حقوقي لاحق برفض الحوار ويُشكَّك في أهدافه وخلفيته.

 في هذا الاطار يكون إعادة توجيه المشروع للسلطة وعرضه على الناس جميعا في آن واحد ذكيًّا في ظل الظروف الراهنة، إذ يستفيد من الحراك الحاصل في القطيف بالضغط على الحكومة التي تنفي عن نفسها أي تهم بالتمييز وتتهم الحراك بالعنف -وهذه خطوة ذكية أخرى فبدلا من الخطاب المعادي الاتهامي تجاوز المشروع ذلك بطرح حلول عملية وقابلة للتطبيق لمعالجتها، ويستفيد منه الحراك أيضًا إذ يستند عليه ويلتف حول منطلقاته الوطنية، وهذا هو المطلوب الآن ، جمع أكبر قدر من مثقفي الوطن وأبنائه وخصوصًا قيادات الحراك الميداني لتبني هذا البرنامج والتمسك به والضغط من أجل تفعيله.

ولكن في نفس الوقت يجب أن يُواصَل هذا المشروع بآخر شعبي تتبناه النخب المثقفة الوطنية سنة وشيعة وتعمل عليه إن لم تستجب أو تتفاعل السلطة السياسية مع المشروع -وهذا الغالب-، بل وحتى إن استجابت، فقوة تأثير الحراك الشعبي  اليوم مكسب لا يجب التفريط به، لذلك لابد من فهم متطلبات المرحلة بصياغة خطاب موجه للناس مباشرة بغرض إيجاد حالة شعبية مساندة تتبنى المطالب وتعطيها القوة اللازمة لمطالبة السلطة بتطبيقها.

أمر آخر يجب التنبه له في كل مشروع مطالبة وطني يمثل فئة أو تيارًا في المجتمع – والأمر يصدق على المسألة الشيعية والحركة النسوية وغيرها – وهو الحرص على أن لا يُعبَّر عن هذه المطالبات بمعزل عن خطاب إصلاحي سياسي شامل يؤمن أن الحل لجميع الملفات المتأزمة  لا يمكن أن يُجزَّأ، ولكن من خلال تبني مشروع إصلاح شامل تنضوي تحته كافة المطالبات المعبرة عن مختلف مكونات المجتمع، وتوجيه الخطاب للسلطة إنما ينطلق من هذه الخلفية وعلى هذا الأساس، فالحل الشامل يتضمن بالضرورة حلا لكل الملفات الفرعية ، أما طرح كل مطلب مستقلا عن الآخر فهذا يسهل على السلطة عزله كما يضعف من ناحية أخرى المطلب الأساس، ولعله أكبر خطأ تقع فيه أي حركة مطالبة خاصة أو فئوية.

إن ما يمكن التعويل عليه هو دمج المطالب المقدمة في هذا المشروع ضمن قائمة المطالب الأساسية على المستوى الوطني، وهذا يعطي قوة وزخما للنخب الشيعية ولبقية المكونات الوطنية على السواء، أما استمرار الانعزال والتعبير الفئوي عن المطالب فيشكل نقطة ضعف للحالة الوطنية والشيعية أيضا، وقد أثبتت التجربة التاريخية الطويلة أن العمل المطلبي الفئوي لم ينجح في تحصيل الحقوق ورفع التمييز في ظل غياب مؤسسات مجتمع مدني فاعلة، والقدرة على عزل أي تحرك فئوي وإخضاعه لمساومات تنتهي غالبًا بتكريس الأمر الواقع.

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق