عن معاني انتحار شباب سعوديين

الكاتب:

21 أبريل, 2012 لاتوجد تعليقات

تشير الأرقام والإحصائيات المتداولة إلى تحول الانتحار لظاهرة مقلقة خاصة بين فئة الشباب في السعودية، وتقدم حالات انتحار عديدة حصلت في المدة الماضية دعمًا لهذه الفكرة، كما تؤكد ارتباط التزايد المستمر في حالات الانتحار مع تزايد معدلات الفقر والبطالة وغياب الفرص المتاحة للشباب السعودي، وقد سُلِّط الضوء مؤخرًا على قصص عدد من الشباب المنتحرين التي تمحورت في معظمها حول البطالة والفقر.

في عام 2010م أفادت إحصائية رسمية صادرة من وزارة الداخلية بأن عام 2009م شهد 787 حالة انتحار في السعودية بمعدل حالتين يوميًّا، وأن عدد الحالات زاد عن العام 2008م بتسع وثلاثين حالة، كما أن المقارنة بالسنوات العشر الماضية تؤكد زيادة عدد الحالات بالأضعاف، فبين عام 1994م وعام 2006م زادت الحالات بنسبة 185 بالمئة.

وأوضحت دراسة لثلاثة أكاديميين سعوديين أن 84% من محاولي الانتحار هم شباب لم يتجاوزا سن الخامسة والثلاثين، وأن 58% من المنتحرين هم من الذكور، مقابل 42% من الإناث. يضاف إلى هذه الأرقام حقيقة مفادها أن محاولات الانتحار الفاشلة لم ترصد بالأرقام، كما أن حالات الانتحار المسجلة أقل من تلك التي تحدث على أرض الواقع، ويعود ذلك إلى حساسية اجتماعية تجعل الأهل يرفضون إرسال جثة المنتحر إلى الطب الشرعي، كما أن الجهات المعنية تفضل إحالة الوفاة إلى “سبب غير محدد” دون عرضها على الطب الشرعي، مما يجعل الإحصائيات المذكورة غير دقيقة بما فيه الكفاية.

تبعث ظاهرة الانتحار الشبابي هذه على القلق، ففي مجتمع كالمجتمع السعودي يفترض ألا يتحول الانتحار لظاهرة؛ لأنه مجتمع محافظ دينيًّا بما يجعل الانتحار سلوكًا مشينًا في الوعي الجمعي حيث قتل النفس من المحرمات الدينية، ولأنه مجتمع غني بالموارد الطبيعية التي “يفترض” بها أن تقدم فرصا كبيرة للشباب على المستوى العلمي والعملي، لذلك يبدو السؤال هنا ملحا: ماذا يعني انتحار شباب ينتمون لمجتمع محافظ وبلد نفطي غني؟!

أول المعاني المتبادرة إلى الذهن هي سوء الواقع الذي يعايشه هؤلاء الشباب ما يدفعهم إلى تخطي الحاجز الديني والإقدام على الانتحار، وبعيدًا عن محاولة بعض وسائل الإعلام إحالة الظاهرة إلى الأمراض النفسية فإن كثيرا من حالات الانتحار ارتبطت بشكل مباشر بقضايا الفقر والبطالة وانسداد الأفق أمام الشباب، وهو ما يعني أن أحد أهم الدوافع للانتحار يتمثل في الحياة السيئة التي يعيشها قسم لا بأس به من المواطنين السعوديين وخاصة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ومن لا ينتحر منهم يُنحر يوميا بأعباء الحياة التي لا يقدر على تحملها.

تعيد هذه الظاهرة المقلقة النقاش حول الفشل التنموي الذي أحدثه غياب التخطيط الواعي وتغول الفساد مع غيابٍ كامل للشفافية والمحاسبة، فارتباط الفساد الإداري بالفساد المالي والنهب المستمر للمال العام أدى إلى فشل ذريع في التأسيس لبنية تحتية سليمة جعل السعوديين يتذمرون يوميا من حال الخدمات في بلدهم الغني وخاصة في قطاعي التعليم والصحة، ويجتمع الفشل التنموي وسوء التخطيط المنتج للبطالة وسوء توزيع الثروات وازدياد معدلات الفقر مع الكبت وغياب الحريات الذي يشعر به المواطن السعودي حتى في أبسط الأمور الحياتية لينتج حالة معيشية سيئة للغاية.

المعنى الثاني المكمل للأول هو عدم قدرة الشباب على التأقلم والقَبول بالواقع السيء، والانتحار هنا هو أحد مظاهر الاحتجاج الشبابي على سوء الواقع والتعبير عن رفضه بشكل كامل، ولعله الشكل الاحتجاجي المعبر عن اليأس من تغيير الأمر الواقع بعكس أشكال احتجاجية أخرى أكثر استيعابا لمجموعات شبابية واسعة وأكثر إيجابية وتأثيرا من الكتابة ونشر مقاطع الفيديو في الإعلام الجديد، إلى المسيرات المطالبة بتغييرات واسعة في الجامعات، إلى المبادرات المدنية الراغبة في خلق ثقافة وواقع جديدين في السعودية.

 

كلما زاد سوء الواقع المُعاش اندفع الشباب للتعبير عن احتجاجهم بصورة أكبر بكل الطرق الممكنة، وهنا يمكن تفسير زيادة حالات الانتحار سنويا مع زيادة المشاكل التي تواجه الشباب مع مرور الوقت وعدم وجود حلول عملية مما يتسبب لكثير منهم بإحباط شديد، دون أن يعني ذلك أن غير المنتحرين ليسوا محبطين بشدة أيضا، وبعضهم يعبر عن سخطه بصور سلبية أخرى، كالاتجاه إلى الجريمة والقيام بمجموعة من السلوكيات العبثية التي تضر بهم وبالآخرين.

لم يعد من الممكن إقناع الشباب بالدعاية الإعلامية التي تتحدث عن النهضة الشاملة والتميز السعودي في المجالات المختلفة بلغة خشبية لا تشبه الشباب ولغتهم، كما أن الحديث عن كون السعوديين أفضل حالا من غيرهم لم يعد ينطلي على الشباب الذي يشاهدون عبر وسائل الاتصال الحديثة كيف تفوقت دول مجاورة على بلدهم في أبسط القضايا تنظيميًّا وتنمويًّا، وكيف يعيشون هم مع وجود النفط في حالة تتفوق فقط على الدول الفقيرة المعدمة المثخنة بالحروب الأهلية والمجاعات.

يبحث الشباب عن تغيير حقيقي ينعكس على حياتهم ومعيشتهم إيجابيا، ويقدم لهم فرصة الانطلاق والتعبير عن الذات، والاستفادة من ثروات بلادهم بشكل يجعل حياتهم سهلة ميسورة ويوجد حلا واضحا لمشاكل السكن والبطالة والفقر ويقضي على الفساد، وهم في ذلك يبحثون عن تفهم تطلعاتهم وتلبية مطلبهم في التغيير، وفهم اللغة التي يعبرون من خلالها عن أنفسهم ومطالبهم.

إن المعنى الثالث لانتحار الشباب يتمثل في عدم قدرة المسؤولين على تقليص الفجوة التي تستمر في التمدد بينهم وبين الشباب؛ إذ لا يفهم هؤلاء لغة الشباب ومتطلباتهم، وما زالوا يصرون على استخدام اللغة والمفردات الخشبية التي لا تلائم الواقع ولا تقنع الشباب الذي يتكلم لغة أخرى ويرغب في تغييرات تواكب العصر ويرفض الكذب على الذات وادعاء المثالية والتطور في ظل واقع يزداد سوءًا.

إن إلغاء ملتقيات شبابية مثل “تيدكس نجد” ومؤتمر “تحديد التخصص” يدخل في سياق غياب اللغة المشتركة بين الشباب والمسؤولين، ومحاولة التعاطي مع المبادرات الشبابية بأدوات قديمة لم يعد لها قدرة على التأثير إلا بخلق مزيد من الإحباط والغضب عند الشباب، ولعل رد بعض الشباب بمحاولة إقامة مؤتمر “تحديد التخصص” إلكترونياً في “تويتر” يؤكد اختلاف اللغة والأدوات وقدرة الشباب على تجاوز آليات المنع القديمة.

استخدام آليات الحجب والمنع في التعاطي مع الشباب يساهم في نحرهم معنويا وتعطيل طاقاتهم بما يضر بالبلاد ومستقبلها، ولا يبدو أن هؤلاء المسؤولين يدركون حجم المشكلة الناجمة عن محاربة الشباب وتطلعاتهم، فالعقلية التي لا تعرف إلا العمل وفق المناهج القديمة في التعاطي مع كل الأمور تصل لهذه النتيجة.

تزداد معدلات الانتحار إذن، ومعها يزيد غضب الشباب ورفضهم للواقع وتتوالى تعبيراتهم الأخرى عنه.

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق