حينما يُلهِم البوليس الإعلام

الكاتب:

21 مارس, 2012 لاتوجد تعليقات

كتب رئيس تحرير صحيفة الشرق السعودية الأستاذ قينان الغامدي في الأيام القليلة الماضية مقالين عنون الأول بـ ” هكذا نقطع الطريق بسرعة على التنظيمات الحركية المتجذرة في دول الخليج: حركيو جامعة «خالد» والفريق «خلفان»”، وكرّر معظم أفكار المقال الأول في مقاله الثاني المعنون بـ “مرة أخرى إيضاح لمن عرفوا خطر «الحركيين» ويهمهم «الإصلاح السريع»: اقطعوا الطريق على «جماعة الإخوان وتفريعاتها»” ، حقيقةً عندما قرأت المقالين خُيّل لي للوهلة الأولى أنهما كُتبا في إحدى غرف الأمن العربية البائدة؛ وذلك لما يحتويانه من حسّ أمني غريب وعقلية بويليسية فجّة وربط عبثي عجيب. وأود بالبداية أن أوضح بأني لست في معرض الدفاع عن “الأخوان المسلمين” فهم يدافعون عن أنفسهم، ولكني أدافع عن الحق والعقل والمنطق السليم، فالحق أحق أن يُتّبع.

يمكن تلخيص أهم الأفكار في مقالَي قينان بالنقاط التالية:

– تنظيم الأخوان وما انشق وتفرع عنه – في دول الخليج- يمارسون سياسة “قذرة” في استغلال الهفوات والثغرات للوصول إلى السلطة مستفيدين من مناخ سياسة “حسن الظن” في دول الخليج لتنفيذ أجنداتهم.
– تنظيم الأخوان – بانتهازيته -هو الذي أجّج الشارع في تونس ومصر وليبيا واليمن مستغلاً فساد السلطة المستشري في تلك الدول.
– في دول الخليج: هناك حاجة للقيام بإصلاحات شاملة وذلك لضرورتها لشعوب المنطقة وكذلك لقطع الطريق على المتربصين من الإخوان والتنظيمات المتفرعة عنها.
– التنظيمات الإخوانية في الخليج متجذرة في كل وزارة ومؤسسة وقطاع وفي كل شبر.
– شُكْر ضاحي خلفان على صراحته وجرأته، وموافقته له خصوصا بما يتعلق بربط أحداث جامعة الملك خالد بتنظيم الأخوان المسلمين، الأمر الذي كان مُلهما لقينان في تسطير مقاله. (وهي الفكرة التي حاول أن يتنصل منها في مقاله الثاني على الرغم من وضوحها الشديد في مقاله الأول).
– دعوة السلطات للتعامل بسرعة وحزم مع هكذا تنظيمات انتهازية همّها الوصول إلى السلطة.

سلاح الشيطنة والاستعداء:

يظهر بوضوح في المقالين الاستماتة الشديدة في شيطنة الأخوان المسلمين، وأنهم أساس كل بلاء ومصدر كل فتنة، وفكر الشيطنة والاستعداء -هذا إن جازت التسمية- من أقبح المسالك وأبعدها عن معاني المروءة، فمن أهم معاني المروءة إنصاف المخالف ونقده نقدًا موضوعيًّا قائمًا على معطيات حقيقية لا على أوهام وتصورات ليست موجودة إلا في أذهان قائليها، فحديث قينان لا يعدو عن كونه إلقاءً للتهم بالعموم، هكذا جزافا بلا دليلٍ ولا أساسٍ متين؛ رغبةً في شيطنة الآخر واستعداء السلطة عليه.

المحزن أن الأستاذ قينان يستخدم أسلوبا ليس جديدا خصوصا فيما يخص الأخوان، فما فتئ أعلام الأنظمة المخلوعة في دول الربيع العربي إبّان الحقبة الماضية يهاجم الأخوان ويشيطنهم، ومع ذلك لم ينجع هذا السلاح بل ربما كان أثره عكسيا، وبدلا من أن يكون درسًا مستفادا لقينان نراه يجتر نفس السلاح القديم.

سلاح الشيطنة والاستعداء هو سلاح الخائفين الذين تعوزهم الحجّة وينقصهم الدليل، فهم فقط يريدون تصفية الحسابات  بالنفخ في فزاعات يشيطنون فيها من خالفهم ليظهروا حرصهم المزعوم على الوطن من المتربصين به من الأعداء، والتيارات السعودية بالخصوص استخدمت هذا السلاح كثيرا مع كل من خالفهم، فكلنا نذكر الهجمة الإعلامية الشرسة من قِبل ما يسمى بـالتيار الليبرالي على التيار الإسلامي  بالسعودية في أعقاب أحداث 11 سبتمر، واستُخدم نفس السلاح مؤخرا -وما يزال-  من قبل قطاع واسع من الإسلاميين بعد قضية كاشغري واستغلالهم القضية لتصفية حساباتهم مع خصومهم الليبراليين.

الانتخاب أم الاغتصاب:

في معرض تحذيره من الإخوان في الخليج، تحدث قينان بسلبية بالغة عن دور الإخوان في الثورات العربية وأنهم أجّجَوا الشارع مستغلين فساد السلطة المستشري في هذه الدول (وهل هي مذمّة؟ )، حيث وصفهم بالانتهازيين الباحثين عن السلطة. لست أدرى ما العيب في أن الإخوان المسلمين – أوغيرهم – عندما يتصدون للعمل العام وينشؤون حزب سياسًّا أن يكون هدفهم الوصول للسلطة، بل هذا الأصل في كل حزب سياسي، وهو العمل الجاد للوصول إلى السلطة بالطرق الدستورية وتنفيذ أفكاره التي يدعو اليها، وأنا أعجب من هذا المنطق، فهل الإخوان وصلوا للسلطة بالانتخاب أم بالاغتصاب ؟! هل وصلوا بانقلاب أم بانتخاب نزيه وشفاف ؟!
الإخوان وصلوا للسلطة بصناديق الانتخاب وهذا يحسب لهم، وانتخبهم الناس لاقتناعهم بهم، وهل هنالك أكثر شرعية من صندوق الانتخاب؟!، فالتشنيع على الإخوان في هذا الحالة هو تشنيع على الديمقراطية التي أتت بالأخوان وستأتي بغيرهم. المشكلة أننا أحيانا نريد أن نفرض قناعاتنا وأفكارنا على الناس فرضا، وإن جاءت الرياح بما لم نشتهِ، لا نلوم أفكارنا بل نلوم الناس لأنهم كانوا سذّجا وأعطوا صوتهم للانتهازين، هكذا يقول هذا الفكر عمليًّا.

الإعلامي بالأمني :
مما يسهّل علينا فهم منطلقات هذا الهجوم هو أن رئيس تحرير الشرق السعودية الأستاذ قينان الغامدي قد استلهم أفكاره من آراء الفريق ضاحي خلفان، الرجل المسكون بعقلية أمنية صرفة، والذي بات مؤخرا حديث الجميع لمواقفه الغريبة أحيانا. الأمرالذي لفت نظري هو مسألة أن تُلهم الأفكار الأمنية الصرفة رجل الإعلام ليكتب بعقلية بويليسة فجّة، ومن أهم ملامح هذه العقلية البوليسية هو التشكك والريبة ومحاولة ربط الأشياء بعضها ببعض حتى وإن كان بطريقة تعسفية، وهذا مؤشر خطير جدا أن يتزاوج البوليسي بالإعلامي وإن كان بالإلهام فقط، فالإعلامي هنا يقوم بدور المؤلّب والمُحذِّر منطلقا من تلك العقلية وبلا دلائل وبراهين ومعطيات حقيقيه على الأرض.

الربط التعسفي:
وهذه النقطة بالتحديد هي ما دعتني لكتابة هذا المقال، حيث يقول قينان إنه أُعجب بأفكار خلفان خصوصا بما يتعلق بربط أحداث جامعة الملك خالد بتنظيم الأخوان المسلمين، ويضيف قينان بأنه يوافق على هذه الفكرة. ما هذا الربط العبثي الساذج ؟! هذا أمر لا يمكن أن أفهمه، كيف يمكن لأحد أن يُصوّرللناس أنّ خروج المئات من الطالبات والطلاب بجامعة الملك خالد للمطالبة بحقوقهم بعدما طفح بهم الكيل كان وراءه “الحركيون”. وكأن هؤلاء الطلاب الشجعان كانوا سذّجا ليقتادهم الإخوان أو غيرهم للخروج والمطالبة بحقوقهم، لا يريد قينان وغيره أن يفهم أن المطالبة بالحقوق هي أمر يفعله الإنسان بفطرته السليمة من تلقاء نفسه، ودون تأثير من أحد، لكن هذه العقلية البوليسية ترفض هذا المنطق السليم وتفترض أنه لا شيء يتحرك إلاّ بأجندات مشبوهة، هؤلاء أقوام مهووسون بقضية الماوراءيات وربط الظواهر الطبيعية بأجندات مشبوهة ربطا تعسفيا اعتباطيا لا يستند على برهان ولا يقوم على دليل. مؤسف ومحزن بنفس الوقت أن يفكر رجل إعلام يرأس تحرير صحيفة وليدة يُنْتظر منها أن تفتح آفاقا تنويرية بهذه الطريقة الظلامية.

هل هي الحلقة الأولى ؟
قينان الغامدي ليس صحفيا عاديا في الوسط الإعلامي السعودي، فهو رجل مخضرم وسبق له أن رأًس تحرير عدة صحف سعودية، ويعرف جيدا الواقع الإعلامي السعودي، وبناء على هذا فإن هجومه هذا لربما كان الحلقة الأولى في سلسلة هجمات إعلامية قادمة تستهدف الحراك الشبابي  لتلبسه لَبَوس الأجندات الإخوانية والحركيّة، خصوصا إذا ما وضعنا في السياق تزايد موجة الاحتجاجات والاعتصامات في أكثر من مكان في أعقاب أحداث جامعة الملك خالد بأبها، وعليه فيجب ألاّ نتصور أن هذا السلوك الصحفي وهذا النوع من المقالات جاء بشكل عابر وسينتهي هكذا، فتجاربنا مع الصحافة السعودية والشكل التحذيري الذي أخذه هذا الهجوم يوحيان بأننا بصدد هجوم إعلامي قادم يستهدف أي أفكار أو تحركات ذات طابع مطلبي وحقوقي بقصد تشويهها وشيطنتها من خلال ربطها بأجندات إخوانية وحركيّة، وهو أمر يجب أن نكون مدركين وواعين له في المرحلة القادمة. 

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق