ليلة البجادي: انبعاث الإيديولوجية

الكاتب:

11 مارس, 2012 لاتوجد تعليقات

يوم الاثنين، ضبط السعوديون في ” تويتر” ساعاتهمّ، إنّها 8:55 مساءً، في انتظار الإعلان عن “هاشتاق” دعم الناشط الحقوقي المُعتقل محمد البجادي، بعد تسرّب خبر دخوله في إضراب مفتوح عن الطعام. محمد المُعتقل منذ عام؛ بسبب نشاطه الحقوقي ودفاعه عن ما يعرف في المملكة بـ”المعتقلين بلا محاكمة”.

استمر “التغريد الجماعي” لساعات الفجر الأولى، وتفاعل معهُ ناشطوا “تويتر” وآخرين من مشاهير الدعاة والكتاب والسياسيين والأدباء في الموقع الاجتماعي نفسه، لم تكن تلك الليلة مجرد إعلان” تضامن”، لقد كانت أشبه بحالة رفض عام لواقع مجحف، ولما يُعرف بـ”الاعتقال بلا محاكمة”، كان فعلاً جماعياً بامتياز، تجاوز التضامن التقليدي الفئوي، والذي يسهل ضربه وتمييعه، صانعاً لحظة وطنية تاريخية فارقة، لتحقيق غاية سامية، هي دعم قضية ” المعتقلين بلا محاكمة”. إنّ شئت قُل صحوة ” الضمير الجماعي السعودي”، لحظة تستحق التأمل، والتفسير لما تحمل من مدلولات يمكن التأسيس عليها في استشراف التحولات التي قد تحدث في الحيز الاجتماعي والسياسي في المملكة.

حيثُ في السعودية، كما في غيرها من البلاد العربية، يترفع حراك القوى الاجتماعية والسياسية المطالبة بالإصلاح متجاوباً مع الحالة الثورية التي تمر بها المنطقة، مع تقدير الفارق بين نوعية الحراك وأدواته وظروف كل قطر، إلا أن المشترك بينها هو حالة رفض الواقع، ورفض “التنظيم الاجتماعي” الحالي بكل تفاصيله وعقوده، وبكل ما يفرضه هذا التعاقد من فروق اجتماعية جائرة وعلاقات سياسية مختلة.

كثيرةٌ هي النقاط التي يمكن تسجيلها في تلك الليلة، لعل أبرزها هو الغياب شبه التام للخطاب المُضاد للقوى المحركة والداعمة ” للاحتجاج الإلكتروني”، برغم ما تتمتع به “إيديولوجيا السلطة” من قوة هائلة، ومن مال وفير، ومن دعم من أجهزة إيديولوجية متعددة، كالجهاز الديني والجهاز الإعلامي والثقافي، إلا أنّها تهافتت أمام لحظة انبعاث “الإيديولوجية الجديدة” المعتنقة للمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية، ولصوت ضميرها المتقد، وإصرارها على التحدي وعلى كسب جولة في معركة اجتماعية محتدمة بين قوى في أسفل الهرم الاجتماعي تحاول إدخال تعديلات جذرية على العلاقات الاجتماعية وقوى في أعلاه محافظة.

 وإذا كان أهم ما في الإيديولوجية  كمنظومة فكرية، وكعقيدة سياسية، هو الانعكاسات التي تكسبها كتعبيرات في مواقف سياسية واجتماعية في لحظة محددة، وتوجيه الاختيارات السياسية لجماعة ما، فأن بمقدورنا المجازفة، والقول، بنجاح واضح للإيديولوجية الجديدة في كسر الخطاب الرسمي وهزيمة إيديولوجيا السلطة من خلال المقدرة على خلق تعبئة تجاوزت الأطر التقليدية المعتادة، وبإقبال كثيف وجهد كبير على إيصال الرسالة، فاق في مدى وحجم تأثيره مقدرة الخطاب الرسمي على سرد رواية مضادة لرواية قوى الحراك “التويتري”.

من الواضح بأن “إيديولوجيا السلطة” قد هزمت وفقدت وهجها ولياقتها الثقافية والسياسية في مجاراة الإيديولوجية الجديدة، رغم المحاولات الحثيثة التي جرت في الفترة الأخيرة من كبار المؤثرين على التحذير من خطر المواقع الاجتماعية، أو الاستماع لما يُبث فيها، وعلى نزع أي شرعية عن أي حراك يحمل نزعة إصلاحية، لكنها فشلت، وستفشل، بسبب ازدياد أعداد الوافدين الجدد لساحة “الاحتجاج الإلكتروني” أولاً. ولأن القوى الاجتماعية والاقتصادية ما زالت موزعة بلا مساواة ولا عدالة ثانياً، ولا يبدو أنّ هناك عمل على تغيير جدي في التنظيم الاجتماعي القائم، لذا فإنّ الصراع الحالي هو صراع قوى اجتماعية مدججة بأسلحة إيديولوجية، صراع على تحديد الحق والباطل، العدو والصديق، وعلى إضفاء الشرعية أو نزعها، وما مطلب ” نزع السلاح الإيديولوجي” في هذه المواجهة إلا بمثابة إعلان انتحار.

أخيراً، لقد مكنتنا ليلة البجادي من استهلال عصر سعودي جديد، عصر يُخرجنا من دياجير المناطقية والطائفية والقبائلية إلى فجر الحرية والمساواة والحياة الكريمة. ألهمتنا ليلة البجادي لحظة انبعاث إيديولوجيا شبابية تحمل راية العدالة والحرية، وتشّييع إيديولوجيا الاستئثار والعبودية.

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق