مدارسة شرعية في قبول توبة كاشغري واستبيانها!

الكاتب:

14 فبراير, 2012 لاتوجد تعليقات

 قبل انتشار فتوى الشيخ بن باز في مسألة قبول توبة الساب رسول الله ديانة وقضاء بالتفصيل الوارد في عدة فتاوي له، كان من يريد مناقشة مسألة قبول التوبة يتهم في محبته لرسول الله، ويغلظ عليه في القول، ويقال له أهذه نصرة رسول الله!، تبحث في مسألة قبول التوبة، ثم يصفع بأقوال بعض العلماء التي لم تترك مجالا إلا القتل والقتل فقط!، بل كل ما انتشر من مقالات قبل ذلك، يوحي بأن مسألة التوبة لم يقل بها أحد من العالمين، فصار من يذكرها أو يود طرحها متهم في دينه، لقي الأستاذ مهنا الحبيل والشيخ سلمان العودة في ذلك أذى كثيرًا، فوق ذلك، صار من يدافع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بالعنصرية مغفورة له خطيئته دون بيان وردع من العلماء!، فلما ذكر أحدهم هذه الفتوى، بدأ البعض يخبرنا بأن القول ليس جديدا، وأن المسألة ليست كما تفهمون وإنما هي بحاجة إلى بسط وتحرير!، ويذكر لنا أن الإجماع خلاف ذلك، ثم يقول إن من يأخذ بالشاذ من الدليل ويتتبع بعض الآراء فيه من رقة الدين كذا وكذا، ثم يصب عليه من أقوال السلف ما يلجمه، ليسكت!

لا ننكر هبة الغضب لرسول الله فهو يستحق أكثر من ذلك، وجنابه لابد أن يبقى محميًّا، لكن لماذا يستل البعض هذه المحبة من قلوب الآخرين لأجل “رأي” يبدي فيه عصمة دم المسلم وحرمتها والتحرز، وعدم إراقتها إلا بنص صريح واكتمال الشروط  ودراسة الحال، وبقذف صريح لا شبهة فيه!، وأرجوكم هنا لا يأتي أحد ويتفلسف ويقول قدمت جناب دم إنسان على مكانة رسول الله!، وكلنا فداء للرسول وكلام مشابه ليس مكانه هنا، الذي يفكر بهذه العقلية، هذا المقال ليس له، والحديث لا يخصه، ولا أحتاج لأثبت له حبي لرسول الله! فليعبر من هنا، ومن يدمن محاصرة الناس وأقوالهم بهذه الطريقة، ماذا سيقول في الشيخ الألباني حينما سئل ذات يوم عن من يسب الله والدين هل يكفر؟ فقال: هذا لا يقصد، هذا قليل تربية، يضرب عصاتين ثلاثة!، هل سيقول له: اتق الله يا شيخ أين حب الله والدين؟، أهكذا تعظم الله وحرماته وتقول: عصاتين وثلاثة! أين تعظيم الحرمات!، هل يزايد أحد على محبة الله في قلب الشيخ الألباني، ملاحظة: لو قلتها فعلا في نفسك وأنت تقرأ الكلام فلتستغفر الله، ترك البعض قضيته الأصلية وهي “حمزة كاشغري” وإساءة أدبه وتعديه على جانب الرسول الكريم، ووجدها فرصة ليأخذ مع “حمزة” غيره ممن طمع في توبته وقبولها، وقطع كل طريق في هذه المسألة بحد السيف، فلو أقسمت بالله ما حنثت أن بعض من سمع كلام الشيخ بن باز تمنى لو بوسعه إخفاءه ودسه عن الناس، لأنه لا يريد شيئًا غير القتل، حتى وهو يقول توبته تنفع عند الله، ربما يتمنى في داخله أن يكون النار مصيره!، (الأخيرة قلتها فقط غضبًا، وإلا فلا أتوقع يفعلها مسلم!)، أرسل لي زميل من السعودية  محسوب على طلبة العلم، وهو يعرف أن بيننا أكثر من عشرة آلاف كيلو يقول: “لنذيق أحفاد بني أخطب بأسنا ولا نبيتن إلا عند قصر الملك للمطالبة برقبة الكافر حمزة عليه غضب الله وإن لم نفعل فما نصرنا الله ورسوله”.  يا عيني، كيف أجيء إلك من كندا، وأجتمع معك عند قصر الملك لننكر على  عيال الأخطب ذا!، أي طالب علم هذا!، التكفير صار “سلق بيض”!، هذا الجاهل تفوق حتى على هيئة كبار العلماء التي حكمت على كلامه، وتركت مسألة تكفيره للقضاة الكبار الذين يعرفون تبعات مثل هذا الكلام ومسؤولياته!، ينبغي أن نعظم رسول الله هذا لا شك فيه، وينبغي أن نعظم ما عظمه رسولنا الحبيب وهي الدماء، نشر البعض مخططا ووصفا لبيت حمزة، وقد قرأت بأم عيني مَنْ كتب “أقسم بالله العظيم أنني لو كنت في مدينته لأحتسب على الله قتل هذا الكافر”، يا الله!، لماذا لا يُنكر على هذا، حتى لو كنت مؤمنا بأن القتل هو حده، أنكر ما تجده وأنت في طريقك للمشنقة، أنا وجدت قلة من طلبة العلم مَن ركز على مسألة أن قتله بيد ولي الأمر وليس لأي أحد. لا أريد أن أطيل في المقدمة، ولست موكلا للدفاع عن أحد، وإنما أريد هنا أن نبحث الإسقاطات الشرعية في مسألة ساب الرسول، لماذا يحدث فيها تباين في التعامل مع الأشخاص، ولماذا لا تقبل التوبة التي  تسقط حد القتل في مثل قضية حمزة.

القضية الأولى:

معظم الممانعين في قبول توبة ساب النبي -صلى الله عليه وسلم- “التي تسقط القتل” يركزون على مسألة أنها حق آدمي، ليس لأحد من العالمين الحق في إسقاطه!، سوف أذكر هنا شواهد وشخصيات تعدت على جانب النبي دون قصد أو زلت قدمها، وأسأل لماذا لم تقم هذه الحجة على الأمثلة أدناه، وسوف أضرب مثالين للأموات، ومثالين للأحياء!، وليس الهدف ضرب أقوال العلماء بعضها ببعض، وإنما البحث عن تفسيرات العلماء ومتى يُعطَى استثناءات في ظل أقوال أغلقت الباب في الخطأ والجهل .

من القدامى رحمهم الله:

1-  المثال الأول: الزمخشري، كان إمامًا في البلاغة والعربية والبيان، من دعاة الاعتزال الكبار، علامة كبير وله تفسيره الشهير “الكشاف” و”المفصل” في النحو، لا يمكن أن تجد طالب علم إلا وقد مر به ناهلا من علمه، طارقا بابه يتطفل على موائد بيانه وأدبه، وهو في المقابل لا يطرق باب أحد، ثم يسمع “من الطارق” إلا ويجاهر بقوله: معك أبو القاسم المعتزلي “يا الحبيب” دون تحرج، كما ذكر ذلك ابن خلكان في ترجمته. يقول عن كشافه: “إن التفاسير في الدنيا بلا عدد، وليس فيها لعمري مثل كشافي، إن كنت تبغي الهدى فالزم قراءته، فالجهل كالداء والكشاف كالشافي”. وعلى أن أهل السنة يكفرون المعتزلة إلا أن الذهبي في سير العلماء لم يستطع أن يقول أكثر من “كان داعية إلى الاعتزال سامحه الله”. فقط “سامحه الله”، وأهل السنة يترحمون عليه، كل ما قلته أعلاه لا يهمكم كثيرًا، الذي يهمنا هنا زلات الزمخشري مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ومطابقتها مع الأحكام وأقوال العلماء التي تشنع وتجرم وتكفر وتضع الحد قتلا لشاتم النبي دون تفصيل وبيان!،  اقرأ المواضع التالية في تفسيره، الموجود في مكتباتنا “السلفية”، يقول في الكشاف: ” (وما صاحبكم) – يعني محمدا صلى الله عليه وسلم-  (بمجنون)  كما تبهته الكفرة، وناهيك بهذا دليلا على جلالة مكان جبريل -عليه السلام- وفضله على الملائكة، ومباينة منزلته لمنزلة أفضل الإنس محمد -صلى الله عليه وسلم-، إذ وازنت بين الذكرين حين قرن بينهما، وقايست بين  قوله: (وإنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين)  وبين قوله: ( وما صاحبكم بمجنون)” .انتهى

يعني أن الله امتدح جبريل -عليه السلام- بكلام حسن, و لما ذكر تعالى بعده النبي اكتفى بنفي الجنون عنه!، يقول ابن عاشور في “التحرير” عن كلامه هذا: “وقد زل فيه صاحب الكشاف زلة لا تليق بعلمه” انتهى. موضع آخر، في تفسير قوله تعالى: (عفا الله عنك لمَ أذنت لهم حتّى يتبيّن لك الذين صدقوا و تعلم الكاذبين) قال الزمخشري في تفسير (عفا الله عنك ) كناية عن الجناية؛ لأن العفو رادف لها ومعناه “أخطأت و بئس ما فعلت”!، فشدّ عليه الحافظ السبكي في ردّه حيث قال: “واعلم أن الكشاف كتاب عظيم في بابه ومصنفه إمام في فنه إلا أنه رجل مبتدع متجاهر ببدعته يضع من قدر النبوة كثيرًا ويسيء أدبه على أهل السنة والجماعة والواجب كشط ما فيه من ذلك كله”. وتبع الحافظ السبكي علماء كبار في رأيه منهم الشيخ الألوسى. وكذلك طالب الإمام أبو حيان الأندلسي بوجوب اطراح ما في كتاب الزمخشري من زلّة في حقّ رسول الله فمثل هذه الأقوال لا يرد عليها لفداحة سوءها. قال أبو حيان الأندلسي -رحمه الله-: “وكلام الزمخشري في تفسير قوله (عفا الله عنك لم أذنت لهم) مما يجب اطراحه، فضلا عن أن يذكر فيردّ عليه” انتهى من “تفسير البحر المحيط” (5 /49) .

وقال الشيخ العلامة تاج الدين السبكي -رحمه الله- : “واعلم أن الكشاف كتاب عظيم في بابه، ومصنفه إمام في فنه، إلا أنه رجل مبتدع متجاهر ببدعته، يضع من قدر النبوة كثيرا، ويسيء أدبه على أهل السنة والجماعة، والواجب كشط ما فيه من ذلك كله.  ولقد كان الشيخ الإمام [ يعني : والده الإمام تقي الدين السبكي ] يقرأه، فلما انتهى إلى الكلام على قوله تعالى في سورة التكوير: (إنه لقول رسول كريم) الآية أعرض عنه صفحا، وكتب ورقة حسنة سماها “سبب الانكفاف عن إقراء الكشاف” وقال فيها: “قد رأيت كلامه على قوله تعالى (عفا الله عنك)، وكلامه في سورة التحريم ، وغير ذلك من الأماكن التي أساء أدبه فيها على خير خلق الله سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعرضت عن إقراء كتابه حياء من النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ما في كتابه من الفوائد والنكت البديعة.  لذلك أهل السنة يقولون: “أنه لا يسمح بالنظر فيه إلا لمن صار على منهاج السنة، لا تزحزحه شبهات القدرية” انتهى من (معيد النعم ومبيد النقم) (80-81) .  وهنا سؤال: إذا كان كثيرٌ من العلماء يقرون بهذه الزلات وقد ردوا عليه وانكفأوا عن بعض مواضعه لأجل كلامه تجاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فلماذا لم تضرب عنقه! ولماذا ليحرض أحد على قتله، ويكتب الكروكي لبيته الصغير في زمخشر! وعندهم أصلا مدخل كبير أن المعتزلة كفار، لكن ما فيه حيله الزمخشري، فإن قال قائل: إنه عالم. نقول: وهل زلة العالم في جناب النبي -صلى الله عليه وسلم- تلغي حقه الشخصي، وهو نفسه صاحب الحق الوحيد بالعفو!،  فإن قالوا: لعله تاب، قلنا: وهل التوبة تمنع الحد، هذا إذا سلمنا بتوبته عن هذا الكلام، وإلا فإن غالبية ممن عاصروه نفوا توبته وقالوا لو تاب لمحا ما كتبه في كشافه!، فوق هذا كله، أتحدى أن يأتي أحد بعالم معتبر من أهل السنة من الأقدمين يكفره بعينه، ويطلب برقبته في عصره، إذا كان الذهبي برأسه لم يقل أكثر من “سامحه الله “!، إذا كانت زلة قدم للعالم، فأنا أقول: هذا تنازل ممن لم يضع هناك عذرًا لأي أحد كائنا من كان.

٢- المثال الثاني: المودودي، يقول في كتابه رسائل ومسائل (ص 57, طبعه 1351 هـ): “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يظن خروج الدجال في عهده أو قريبا من عهده، ولكن مضت إلى هذا الظن ألف سنة وثلاثمائة سنة وخمسون عاما، قرونا طويلة ولم يخرج الدجال، فثبت أن ما ظنه -صلى  الله عليه وسلم- لم يكن صحيحا، وتابع: “وقد مضت ألف ولم يخرج الدجال فهذه هي الحقيقة”. وقال في كتابه المصطلحات الأربعة الأساسية في القران (ص 156): “إن الله سبحان أمره صلى الله عليه وسلم في سورة النصر بأن يستغفر ربه ما صدر منه من أداء الفرائض -فريضة النبوة- من تقصيرات ونقائص”. أما أبو الأعلى المودودي فهل سمعتم أحدا أفتى بقتله لهذه الاتهامات!، بل الحال على عكس هذا،  لم يحكم عليه بالكفر ولا القتل، بل حصل على جائزة الملك فيصل عام ١٣٩٩م تقديرا لجهوده وتضحياته في خدمة الإسلام، وأثنى عليه الشيخ بن باز، وبين أن لديه أخطاء ، فلتستمع هنا ( http://www.islamgold.com/rmdata/161_binbaz_islamgold.com.rm )

صدقوني لن تعدموا مَن يقول: كيف يكرم من يتهم رسول الله بنقائص في أداء فرائض النبوة!، وأن ظنه لم يكن صحيحا في مسألة الدجال!، غفر الله للمودودي وللزمخشري، وتغمدهم الله برحمته، أوردتهم لأسمع رأي كيف تعامل العلماء مع هذه النصوص، وهل زلة العالم كفيلة بأن نتنازل عن حق النبي، إذا قلتم ننظر في حال الشخص، تنتهي المقالة هنا!، فمِن المعاصرين عفا الله عنهم.

 ٣-  المثال الثالث: الشيخ ربيع مدخلي، يقول: “ليه ربنا ما ناطح الحكام، ولماذا رسول الله ما كان يناطح هذه المناطحات) استمع هنا ( http://www.alathariyah.net/vb/attachment.php?attachmentid=81&d=1144987826 ) – وفي شريط آخر قال: “فالرسول ليش ما أحسن الظن بهؤلاء وهم صحابة، وبعضهم بدريون!” استمع هنا ( http://www.alathariyah.net/vb/attachment.php?attachmentid=269&d=1147334065 ).

فهل هذا يليق بمقام الرسول أم لا، أم كلام عادي! ربما لم تسمعوه من قبل، لكن هل سيتغير الحال بعدما سمعتموه، هل سيحاكم أم سيعذر لأنه عالم!، وهذه زلة، لو حدث هذا فحجة أنه حق النبي ليست معتبرة!

4- المثال الرابع: د.طارق الحبيب، قال في جانب النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يعلم أكثركم ، شاهد هنا ( http://www.youtube.com/watch?v=QmdYkDVt0uw ) ( كان ناقصا في شخصيته )، ( أشبعت نقصا في شخصيته)، (لأنه لم يترب في حضن أمه، لكن حنان الأم لم ينله)، وهذا الموضوع أثير وأخذ بعدا إعلاميًّا لا بأس به، لكن المهم، لماذا لا يطبق حد سب النبي “القتل” على طارق الحبيب!، ولماذا لم يطالب به أحد، ولو خرَّجْتُم لنا الزمخشري والمودودي على كونهم علماء وزلة –لو لفقنا طبعا- كيف تخرجوا لنا طبيب نفسي!

يلزم من يرى عدم قتل الأمثلة أعلاه أن يجيب بإحدى الإجابات التالية:

الجواب الأول: أن هؤلاء الفضلاء والعلماء لم يكن بقصدهم الإساءة إلى النبي وإنما أساؤوا التعبير وزلوا.

نقول: حسنا، هذا كلام جميل، لكن هل هذا يشفع لهم أمام نصوص كهذه، قال شيخ الإسلام: “إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهرا وباطنا وسواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم أو كان مستحلا أو كان ذاهلا عن اعتقاده وهذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل”. وقال في موضع في (الصارم المسلول) : “والغرض هنا أنه كما أن الردة تتجرد عن السب فكذلك السب قد يتجرد عن قصد تبديل الدين وإرادة التكذيب بالرسالة كما تجر كفر إبليس عن قصد التكذيب بالربوبية وإن كان عدم هذا القصد لا ينفعه كما لا ينفع من قال الكفر أنه لا يقصد أن يكفر”.

وتحت أي ذريعة  يمكن إخراجهم من كلام القاضي عياض أدناه، وهو يتحدث عن سب الرسول: “أو يأتي بسفه من القول أو بقبيح الكلام ونوع من السب في جهته صلى الله عليه وسلم، وإن ظهر بدليل حاله أنه لم يتعمد ذلك ولم يقصد سبه إما لجهالة حملته على ما قاله أو لضجر أو قلة مراقبة وضبط لسان وعرجفة وتهور في كلامه، فحكم هذا الوجه هو الحكم الأول القتل دون تلعثم إذ لا يعذر أحد بالجهالة ولا دعوى زلل اللسان ولا بشيء مما ذكرناه إذا كان عقله في فطرته سليما إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، وبهذا أفتى الأندلسيون على ابن حاتم في نفيه الزهد عن النبي صلى الله عليه وسلم “.

ومن يتبنى وجهة نظر القاضي عياض، فيمكنه القول أيضا: “إن العلماء على رأي اعتبار القصد في إنشاء الصيغة وليس قصد حكم هذه الصيغة!، فلو لم يقصدوا الكفر بهذه الكلمات، فيلزمنا تكفيرهم لأنهم أنشؤوا الصيغة ولم تكن سبق لسان حتى عند من يأخذ بهذا العذر في قاعدة (العلماء يشترطون معرفة القصد قبل الكم على المكلف فيما يسمى بألفاظ الجنايات). وبناء عليه من قصد القول المكفر كفر وإن لم يقصد أن يكون كافرا. وكذلك جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: “إن من تلفظ بكلمة الكفر عن اعتقاد لاشك أنه يكفر، وإن لم يعتقد أنها لفظ الكفر إلا أنه أتي بها عن اختيار فيكفر عند عامة العلماء ولا يعذر بجهل” 207.16/206

الجواب الثاني: لا يمكن أن نقيس هؤلاء الفضلاء الكبار المشهود لهم بالخير، بالليبرالي حمزة كاشغري.

لن أناقش الفرق بينهم وبين حمزة ولا يهمني، إنما يهمني طريقة الاستدلال والإسقاط…حسنا، لماذا الآن بدأت فحص حال الرجال وما هم عليه؟، دون دليل يمنحك هذه الصلاحية، من قال لك تتوقف حتى ترى حال الرجل؟؟ ومحصلته عدلت عن قضيتك الكبرى التي هي أن سب الرسول حق آدمي لا يسقطه إلا صاحبه، وبدأت تنظر إلى حال الساب!، ولو أردنا محاكمة القائل بهذا نقول له: كيف استدللت بأن سب الرسول بحاجة إلى فحص حال الرجل، من أعطاك هذا الاستثناء، إن كان من أهل الخير عفي عنه وإن كان من دونه لم يعف عنه، هل هذا معتبر في حق النبي، كيف أسقطت حدا من حدود الله بحجة أن الرجل تاريخه ليس فيه استنقاص! وأنها زلة لسان، ومجرد إساءة للتعبير، إذا دعواك بأنه حق آدمي لم تعمل بها هنا،وهذا ما يهمني، ولو قال قائل لا ليس هذا السبب، فسوف نسأله ونقول: في موضوع طارق الحبيب مثلا، لماذا اتصل المفتى عليه -كما يقول طارق- ليستفسر عن نيته ويستوضح مقصد كلامه، القاضي بن عياض وغيره كثير، يقولون حتى ولو لم يقصد الكفر ولا يشترطون النية،  شاهد آخر، واسألوا طلاب الشيخ بن عثيمين عنها لأنني لم أكن حاضرا بل سمعت بعضهم يذكرها، نقل للشيخ بن عثيمين كلام القرضاوي في انتخابات مصر يوم كانت النتيجة 99.9% فقال القرضاوي: “إن الله لو انتخب نفسه لما حصل على هذه النسبة”. فقال الشيخ: “هذا يستتاب أو تضرب عنقه؟، فقيل له: يا شيخ تدري من قال بهذا؟، قال: من؟، قيل القرضاوي. فقال الشيخ: إذن يراجع ويُسأل عن قصده!، هل تحتاج مزيدا من الاستيضاح، أين قطعيات العلماء في المسألة؟

الجواب الثالث: أن هناك سبا صريحا وسبا غير صريح للنبي.

ما شاء الله من أين أتيت بهذا التقسيم، ألا تتقي الله، بدلا من نصرة النبي تبرر لهؤلاء الناس بهذه الرقة في دينك، نقول لك يا أخي العلماء يقولون من فهم من كلامه التنقص فعقابه القتل. روى ابن وهب عن مالك: من قال إن رداء النبي -صلى الله عليه وسلم- وسخ وأراد به عيبه قتل، فكيف يقال عن رسول الله مثل هذه العظائم!، إذا كنت تفرق بين في الحكم بين السب الصريح وغير الصريح، فبإمكاني أن أوقفك هنا وأقول: هذا اجتهاد منك ولا أقبله. وإن قلت هو من قبيل الردة المخففة فقط، التي يقبل فيها التوبة. فأقول: حسنا، سأتجاوز معك القول: وأقول سوف أقبل بهذا التقسيم، فما العقوبة؟ إن قلت لي: العفو مع الندم والتوبة وعدم العودة. سأقول لك: وهل هو حقك حتى تعفو؟، وإذا كنت تقول: لا. هنا نقبل التوبة، فسأتركك؛ لأن هذا محل النقاش!

رابعا: في موضوع  طارق الحبيب أصلا لم يسب النبي ولا يفهم من كلامه أنه سب، وإنما عامة الناس أساؤوا فهمه.

عامة الناس فقط. إذن ما الداعي لاتصال المفتي،  وما الداعي لحديث عشرات من طلبة العلم في هذا الموضوع ومناصحته، واسألوه. إذا قبلت معي أن كلامه اختلف فيه فهمه، فهل تقبل أن يختلف معك في فهم كلام غيره. دعونا من طارق الحبيب، لا أريد ملاحقته، ماذا عن غيرها من الأمثلة!، المخرج الوحيد أن نكون أعاجم لا نفهم العربية.

خامسا: كلامهم فيه إساءة أدب وليس فيه سب صريح للرسول ولا قذف في عرضه صريح؟

طبعا، ينبغى لي هنا أن أشن عليك حرب أيها التنويري الجاهل قليل الغيرة على النبي، حين تفرق بين السب وإساءة الأدب!، هذا النبي، وكان يكفيك أن تنتصر له، بدلا من التلاعب بالألفاظ والتقسيمات، وتقول هذه إساءة صريحة. وهل ترضى أن يقال لك: إنك ناقص العاطفة مثلا، أو تناطح! أو أن ظنك خائبا وخلافه!، لن ترضاها في حقك كيف ترضاها في حق النبي!،

القضية الثانية:

كما ذكرت في المقدمة  قبل أن يخرج الملف الصوتي الذي يحوي رأي الشيخ بن باز، لم يكن يقال للناس في مسألة قبول التوبة وإسقاط حد القتل شيء، حتى من كان يعرف رأيا آخر في المسألة، ويعرف البسط في المسألة، لم يذكر شيئا، وترك المسألة وكأن فيها نصا صريحا بالقتل على كل الأحوال في القران والسنة، لا لبس فيه ، كالزنا والسرقة والقذف المباشر الصريح،  فلما انتشر المقطع بدأ يفصل في المسألة، يا عزيزي، حتى وإن كان الهدف من ذلك هو زجر الناس عن تعديهم على قداسة النبي، فإن دم الإنسان وإهداره، ليس بالأمر الهين، ولا يراق إلا بنص صريح وكفر لا لبس فيه وخروج عن الدين وردة وحرب لله ورسوله واستهانة بهم وبالشريعة. الشيخ بن عثيمين أيضا، مع كونه يرجح القول بأن تقبل توبة من سب الرسول ويقتل، لكنه لم ينفِ وجود ثلاثة أقوال فيها فقال: “فصار الأقوال في المسألة ثلاثة” يقصد: ١- لا تقبل توبته ويقتل كافرا، ٢- تقبل توبته ويقتل، ٣- تقبل توبته ولا يقتل. ( فتاوى لقاء الباب المفتوح اللقاء ٥٣) .

فهل تفرد الشيخ بن باز في هذا القول؟ وهل نستطيع أن نسأله: كيف تسقط حق النبي يا شيخ ؟ وهو ليس إلها، تأملوا هذين النصين :

١- ورد في حاشية (الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية) للسفاريني، عبدالرحمن بن محمد بن قاسم النجدي، الباب الثالث (فصل في ذكر من قيل بعدم قبول إسلامه من طوائف أهل العناد والزندقة  والإلحاد) “واختلفوا في قبول توبة من سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فذكر أبو المظفر، والقاضي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم: أن المشهور من مذهب مالك وأحمد عدم قبول توبته في الدنيا، وهو المشهور من قول السلف، وجمهور العلماء، وأحد الوجهين لأصحاب الشافعي ووجهه شيخ الإسلام في الصارم، وذكر: أن مذهب أبي حنيفة والشافعي قبولها مطلقا، وهو رواية عن مالك وأحمد، وقول طوائف من السلف، ووجهوا أن سبه ليس بأعظم من سب الله عز وجل، ولم ينعقد الإجماع على قتله حدا فالله أعلم.

2-  ما نقله شيخ الإسلام في الصارم المسلول عن كتاب المعتمد للقاضي أبى يعلى حيث قال: (من سب الله أو سب رسوله فإنه يكفر سواء استحل سبه أو لم يستحله، فإن قال: لم استحل ذلك، لم يقبل منه في ظاهر الحكم رواية واحدة وكان مرتدا، لأن الظاهر خلاف ما أخبر، لأنه لا غرض له في سب  الله وسب رسوله إلا لأنه غير معتقد لعبادته غير مصدق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ويفارق الشارب والقاتل والسارق إذا قال: أنا غير مستحل لذلك، أنه يصدق في الحكم، لأن له غرضا في فعل هذه  الأشياء مع اعتقاد تحريمها وهو ما يتعجل من اللذة.) قال: (وإذا حكمنا بكفره فإنما نحكم به في ظاهر الحكم، فأما في الباطن، فإن كان صادقا فيما قال فهو مسلم)، وذكر القاضي عن الفقهاء (أن ساب النبي صلى الله عليه وسلم إن كان مستحلا كفر وإن لم يكن مستحلا فسق ولم يكفر كساب الصحابة)!، مع أن شيخ الإسلام عقب عليه ورده، لكن ليس هذا الشاهد.

وبمناسبة استحلال القلب، أنا لا أود أن أثقل عليكم برأي الشيخ الألباني، حتى لا تقولون عني أني “مرجئ”، ثم يذهب النقاش إلى موضوع معظمنا يتقنه، وهو موضوع الرد على من يشترط الاستحلال  القلبي في الكفر، لن أترك لكم الفرصة، فأنا معكم ضد الإرجاء على طول الخط، لكن من باب المعرفة، لتنظروا إلى رأي الألباني :

ورده سؤال هذا نصه: وردت بعض الآثار عند بعض الأئمة، وعن بعض الصحابة كخالد بن الوليد، وبعض الأئمة كالإمام أحمد بكفر شاتم الله أو الرسول واعتبروه كفر ردة، فهل هذا على إطلاقه، نرجو الإفادة.

الجواب: ما نرى ذلك على الإطلاق، فقد يكون السب والشتم ناتجا عن الجهل، وعن سوء التربية، وقد يكون عن غفلة!، وأخيرا قد يكون عن قصد وعن معرفة، وإذا كان بهذه الصورة عن قصد ومعرفة فهو الردة الذي لا  إشكال فيه، أما إذا احتمل وجها من الوجوه الأخرى التي أشرت إليها فالاحتياط في عدم التكفير أهم إسلاميا من المسارعة إلى التكفير. ( شريط الكفر كفران )، كما أخبرتكم، أرجو ألا تقفوا عن رأي الألباني!،  أحببت فقط أن أذكر هذه الأمثلة؛ لأقول أن المسألة ليست محسومة، وليست منتهية، ولو كانت نصا صريحا، لما وجدت هذا الاختلاف، لا تقولون لي في كل قضية خلاف، ومن تتبع شذوذ العلماء لن يعدم رأيا مخالفا أقول: هذا صحيح، لكنه ليس ردا علميا. هو كلام هدفه محاصرة فقط، أيضا ما جدوى حديث ( ادرأوا الحدود بالشبهات)، ومع أن كلام أهل العلم في صحته إلا أن جماهير الفقهاء يأخذون به حتى لو لم يكن هناك إجماع وعليه شواهد وآثار! تأملوها فقط.

القضية الثالثة:

الذين رفضوا قبول التوبة التي تمنع القتل، اضطروا للتفريق بين حق الله وحق الرسول؟ وقالوا: إن الذي يسب الله تقبل توبته ويعفا من القتل للأدلة الكثيرة في القرآن والسنة، لأن الله يغفر ذنب التائب مهما عظم، أما الذي يسب الرسول فهذا حق متعلق بالرسول وقد مات، فليس لأحد أن يعفو عنه! فأقول أولا هذا التفريق والتفصيل ليس عليه إجماع وإنما إجتهاد ، بل هناك من ينكر هذا التفريق .. ويرى العقوبة واحدة .. القتل دون تفريق ، ويرون أن حق الله ليس بأقل من حق الرسول تحت أي تبرير .. !

وشخصياً .. أصدقكم القول ،، هذه الحجة غير مقنعة بالنسبة لي لتجعلني أستسيغ هدر دم إنسان معصوم بهذه السهولة ، ليس تساهلا في حق النبي ، بأبي هو وأمي ، لكن ليس هناك نص صريح واضح لاريب فيه لأهدر دم شاب كتب كلمات هي رده عن دين الله بلا شك، لكنه تاب وقتها ، وأقول له : لا تقبل توبتك ! أو أقول مافيه داعي أستتيبك  وأوضح لك خطورة ماكتب في حق الرسول صلى الله عليه وسلم .  ثم ماحاجتنا لهذا التقسيم ،،  فالله أيضا هو الذي يغفر ذنب العباد في حق النبي صلى الله عليه وسلم ، لإنه توفي ! ولا أعتقد أن هذا التقسيم نصا قدسياً ، ليلغي عشرات الآيات والأحاديث التي تحث على التوبة ،  وتشير إلى قبولها!

أما من يعترض ويقول : لو زنى إنسان أو سرق وتاب هل نعفيه من الحد؟

فأقول بالنسبة للحدود بشكل عام :

جاء في المغني ( وإن تاب من عليه حد من غير المحاربين واصلح ففيه روايتين : الرواية الأولى : يسقط عنه ، والرواية الثانية : لايسقط )

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أن التوبة النصوح ـ أي الندم الذي يورث عزما على إرادة الترك ـ تسقط عذاب الآخرة عن السارق، ولكنهم اختلفوا في أثر التوبة على إقامة حد السرقة: فذهب  الحنفية والمالكية والشافعية ـ في أحد القولين ـ والحنابلة ـ في إحدى الروايتين ـ وعطاء، وجماعة: إلى أن التوبة لا تسقط حد السرقة، لقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله ـ  من غير أن يفرق بين تائب وغيره، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام الحد على عمرو بن سمرة، حين أتاه تائبا يطلب التطهير من سرقته جملا. وذهب الشافعية – في أصح القولين – والحنابلة – في الرواية الأخرى – إلى أن التوبة تسقط حد السرقة، لقوله تعالى – بعد أن بين جزاء السارق والسارقة: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ـ وهو يدل على أن التائب لا يقام عليه الحد، إذ لو أقيم عليه الحد بعد التوبة لما كان لذكرها فائدة. انتهى يعني حتى الحدود فيها “إسقاط”..  وإذا كنت تعرف ذلك، مبروك عليك، لكننك لما تأخذه بعين الاعتبار، حين كنت تقذف بحممك على من يقول باب الله يا جماعة الخير والتوبة التوبة..!

ثم تعال يا عزيزي: هذا قياس غير دقيق.. فهذه معاصي فيها نص ثابت لن تجد عالمين يختلفان فيها !.. أما قبول توبة الساب، ففيها اختلاف.. ورأي الشيخ بن باز كما ذكرنا سابقاً مثال.. وهذا كافٍ للرد على  أن القياس بين المسألتين ليس مكانه هنا! وأقرب شيء للقياس هو القذف، وهو لم يحدث! بل إن هذه المسألة التفصيل فيها وارد،  فالغضبان مثلاً.. يستثنى منها،، قال الشيخ بن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: (من سب الله أو رسوله أو دينه أو كتابه جاداً كان أو هازلا فهو كافر، أما من فعل ذلك غاضباً وهو لم يملك نفسه ولايدري مايقول فإنه لايكفر، لأنه اعتد لا اعتداد بقوله بل هو حكم المجنون) (الفتوى 56333).

 وبمناسبة الحدود.. أريد أن نأخذ هنا (فسحة بريك): لنسأل أنفسنا: ماذا ندرس في مدراسنا ومساجدنا.. في حد السارق ؟.. قطع اليد صح،، منذ متى رأيتم يداً تقطع!  مافيه داعي تشوفون.. متى سمعتهم!  وإلا الأمانة ماشاء الله مقطعة الشعب، والجميع يعيش في رخاء.. نسرق ليش ؟؟  بالكاد نسمعها  في السنة حسنة.. أقصد في السنة سيئة..! برضه صح \.. مافيه أحد بيسرق لامال عام ولا مال خاص.. والشعب مية المية! هاه.. ! ياجماعة الخير،،  هذا الحد وغيره وضع أمامه عشرات من القيود ومايصرفه عن الحكم، حتى تعطل تقريباً..!  أنا محسن الظن في قضاتنا الكرام وأقول هم بيقتدون بفعل عمر بن الخطاب في عام المجاعة..!  بس،،، عمر بن الخطاب كان عام واحد.. ليش إحنا بتل معنا هذا العام وصار أعوام ، وحد السرقة .. في الرف! رضي الله عنك يارطيان،، أجل لو كل سارق عندنا قطعت يده ، لفصلت الثياب بلا أكمام..! الرطيان كان وده يسأل مسألة شرعية.. هو فيه حد للسرقة وإلا كيف؟ فما أكثر قيود قطع الآيادي.. وسرعة زوال كل صارف عن قطع الرقاب.. !

انتهت الفسحة،، نعود،،

دعونا نتأمل مسألة لطيفة لتوضيح جوانب مهمة في هذه القضية : لنسأل سؤالاً: ماهو حد الردة عند الجمهور!

الجواب (القتل) لحديث (من بدل دينه فاقتلوه).. طيب،، هل يشترط الاستتابة أم لا.. هل هي واجبة أم مستحبة! مسائل خلافية.. أليس كذلك ؟؟ حلو.. قد يقول قائل أنت تبحث عن المخارج، ولن تعدم رأياً مخالفاً في أي مسألة، لكن المناط الدليل! طيب آسفين..

اسمع لإبن عبد البر وهو يقول ( ولا أعلم بين الصحابة خلافاً في إستتابة المرتد ، فكأنهم فهموا من قول النبي صلى الله عليه وسلم ” من بدل دينه فاقتلوه ” : أي بعد أن يستتاب ) ( الإستذكار ٧/١٥٤)  وعليه جمهورد العلماء ( نيل الأوطار ٨/٨)!

هل العلماء التاليين الذي لايرون الإستتابة .. ويبحثون عن الآراء الشاذة في مسألة عدم الإستتابة أو إجتهادهم غير معتبر ولانظر فيه :  طاؤوس والحسن والماجشون المالكي وأبو يوسف وأهل الظاهر ونقله ابن المنذر عن معاذ وعبيد بن عمير وذكره سحنون عن عبدالعزيز بن أبي سلمه ، و هو وجه عند الحنابلة ، قالوا في حق المرتد : لايستتاب وعليه يجب قتله في الحال ولو تاب نفعته توبته عند الله ولايسقط قتله ، قال الإمام الشوكاني ( وعليه يدل تصرف البخاري ) ، قال الإمام الطحاوي ( قال به أبو يوسف في كتاب الإملاء ، قال : أقتله ولا أستتيبه إلا أنه بدرني بالتوبة خليت سبيله ووكلت أمره إلى الله “!

وبالمناسبة أقول لكم .. إن حجة ( سقوط الحد عن الزنا والسارق ) ليست جديدة … ! بل حتى من لم ير بعدم إستتابة المرتد ، يقول : إنها حد كالرجم بالزنا ، فإذا لم يستلزم إستتابة الزاني ، فلا يستلزم إستتابة المرتد . وقولهم أيضا أن الرسول قال ( من بدل دينه فاقتلوه ) والفاء هنا للتعقيب ولم يذكر الإستتابة ! وكذلك إستنادهم لحديث معاذ لما قدم على موسى فوجد عنده رجلاً موثقا فقال : ماهذا ؟ قال : رجل كان يهوديا فأسلم ثم راجع دينه  دين السوء فتهود ، قال : لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ، قال : اجلس ، قال : لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل ، ولم يذكر استتابته ! وأولها من يقول بالاستتابة أن قد استتيب من قبل (وهو الأقوى)!

تخيل أن اجتهادك وعلمك قاداك إلى أن تنضم لهؤلاء الذين يرون أن الردة كحد الزنا لايستتاب فيها ! كيف ستنظر لمن يرى الاستتابة! بأدواتك الحالية : ستقول هذا تعطيل لحد الله !  ولو كنت فيمن يرى وجوب الاستجابة ، فستقول : ابن عبد البر يقول لا نعلم خلافا بين الصحابة ! فلماذا هؤلاء  العلماء الذين لا يرون استتابة المرتد .. يخالفون فهم الصحابة .. وجمهور العلماء .. أم أنهم غير مدركين للسيرة وما عليه السلف !  ما رأيكم فيمن خالف ذلك كله ؟؟ روى عبد الرزاق والبيهقي وابن حزم: “أن أنسًا عاد من” تستر” فقدم على عمر، فسأله: ما فعل الستة الرهط من بكر بن وائل، الذين ارتدوا عن الإسلام، فلحقوا بالمشركين؟ قال: يا أمير المؤمنين، قوم ارتدوا عن الإسلام، ولحقوا بالمشركين، قتلوا  بالمعركة، فاسترجع عمر (أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون) قال أنس: وهل كان سبيلهم إلا القتل؟ قال: نعم، كنت أعرض عليهم الإسلام، فإن أبوا أودعتهم السجن” (رواه عبد الرزاق في المصنف: 165/10، 166، وابن حزم في المحلى: 221/11 .

يقول الشيخ يوسف القرضاوي  مبرراً :

فهنا عمر لم ير عقوبة القتل لازمة للمرتد في كل حال، وأنها يمكن أن تسقط أو تؤجل، إذا قامت ضرورة لإسقاطها أو تأجيلها، والضرورة هنا: حالة الحرب، وقرب هؤلاء المرتدين من المشركين وخوف الفتنة عليهم،  ولعل عمر قاس هذا على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: ” لا تقطع الأيدي في الغزو”، وذلك خشية أن تدرك السارق الحمية فيلحق بالعدو. وهناك احتمال آخر: وهو أن يكون رأي” عمر” أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ” من بدل دينه فاقتلوه” قالها بوصفه إمامًا للأمة، ورئيسًا للدولة، أي أن هذا قرار من قرارات السلطة التنفيذية، وعمل من أعمال السياسة الشرعية، وليس فتوى وتبليغًا عن الله، تلزم به الأمة في كل زمان ومكان  وحال، فيكون قتل المرتد وكل من بدل دينه، من حق الإمام، ومن اختصاصه وصلاحية سلطته، فإذا أمر بذلك نفذ، وإلا فلا !

  وأعلم أن قضيتنا هنا ليست ( المرتد ) وإنما هي ( السب ) لكني  أردت أن أقول :

الذي يقبل اجتهاد العلماء في مناقشة استتابة المرتد، ومدتها ، وتقسيمها إلى مغلظة ومخففة .. ويرى أنه اجتهاد اختلف فيه العلماء! ثم يرمي بكل منقصة، ويدخل في النوايا.. مع من حاول أن يناقش مسألة قبول توبة الساب ومعاقبته دون القتل.. وعدم التسرع في إهدار دمه!  حينما ذكر الأخ عبد الله المالكي وجهة نظره ورؤيته للكلام الذي كتبه كاشغري، شن عليه هجوم واتهم في محبته للنبي صلى الله عليه ، وكتبت مقالات ، مقالة تلو أخرى تنبزه .. مع أنه أقر بأن ما كتبه حمزه إنما هو ردة.. !  إلا إذا كنت تعتبر أن قولك لشخص: (ما كتبت ردة .. وكفر بالله ورسوله ) ثناء ومدح وتخفيف ! مالكم كيف تحكمون!  لكن لأن بعضهم لا يريد أن تكون ردة لأن فيها استتابة، وإنما يريد رقبته مباشرة.. ! واعذروني فهذا ما فهمته من خلال متابعتي في تويتر .. !

هل موضوع السب الصريح وغير الصريح.. مسألة جديدة، ابتكرها المالكي من عنده !   قال القاضي عياض رحمه الله: الوجه الرابع أن يأتي من الكلام بمجمل أو بلفظ من القول مشكل يمكن حمله على النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، أو يتردد في المراد به، فها هنا مُتـَردد النظر وحيرة العبر ومظنة اختلاف المجتهدين ووقفة استبراء المقلدين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيي من حي عن بينة، فمنهم من غَلَّب حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وحمى حمى عرضه فجسر على القتل، ومنهم من عظم حرمة الدم ودرأ الحد بالشبهة لاحتمال القول. وقال القاضي عياض أيضا رحمه الله: وشاهدت شيخنا القاضي أبا عبد الله محمد ابن عيسى أيام قضائه أتِي برجل هاتَرَ رجلا ثم قصد إلى كلب فضربه برجله وقال له: قم يا محمد، فأنكر الرجل أن يكون قال ذلك وشهـد عليه لفيف من الناس، فأمَر به إلى السجن وتقصى عن حاله، وهل يصحب من يُستراب بدينه؟ فلما لم يجد ما يقوي الريبة باعتقاده ضربه بالسوط وأطلقه. شرح الشفا للقاضي عياض، (ج 2 / 984)

ومن يحتج بأن من يقبل توبة الساب إذا صدقت ويعفى عن قتله إنما هو خالف الإجماع ، فأقول شيخ الإسلام خالف الإجماع .. في بعض المسائل !  كما قال فيه المحدث الحافظ الفقيه ولي الدين العراقي ابن شيخ الحفاظ زين الدين العراقي في كتابه الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية: “علمه أكبر من عقله “، وقال أيضا: “إنه خزق الإجماع في مسائل كثيرة قيل تبلغ ستين مسألة بعضها في الأصول وبعضها في الفروع خالف فيها بعد انعقاد الإجماع عليها” ..  ولزم  هنا أن أذكر أن ابن القيم دافع عن هذا الجانب وتقسيمه للمسائل التي خالف فيها غيره ،، يرجع له ! ..

والآن ..لاحظ جملة كتبها أحد المشايخ الفضلاء  في تويتر : (  ليس لأحد بعد موت النبي الحق في إسقاط العقوبة عمن وقع في النبي صلى الله عليه وسلم أو إستهزأ به ومن حاول إسقاطه فهو شريك في الجريمة علم أم لم يعلم وعلامة رقة في الدين ) ! يا الهي .. تأملوا هذه الأمور القطعية .. أستغفر الله ولاحول ولاقوة إلا بالله .. ! سؤالي هل ممكن أن يدخل الشيخ بن باز ضمن كلامه !  أستغفر الله .. ! أعلم أنه لايقصد أحدا بعينه لكنها أحكام مصلته قوية .. لا تتناسب مع من يفترض فيه تأمل الدليل والإنصاف وعدم التعجل في الحكم على الناس..!

ختاماً: لو تأملنا مسألة قتل من من سب الرسول صلى الله عليه وسلم في القصص التي يوردها العلماء  ويتشددون في قتله، نجد أن حال الساب إما أن يكون المرء (١) منافقاً  أو  (٢) سب الرسول صراحة وقذفه بشكل مباشر (٣)  أو مداوما قاصدا السب والتنقص. (٤) تعرض لمقام الرسول وحارب الدين .

ومعظم المرتدين الذين أمر الرسول بقتلهم فهم قد جمعوا ذنوبا غير السب والشتم وحاربوا الإسلام ، أو داوموا على ذلك ،  مثل مقيس بن صبابه يوم الفتح أمر بقتله من غير استتابة لما ضم إلى ردته قتل المسلم  وأخذ المال ولم يتب قبل القدرة عليه وأمر بقتل العرنيين لما ضموا إلى ردتهم السب وقتل المسلم، وأمر بقتل ابن ابي سرح لما ضم إلى ردته الطعن عليه والافتراء حيث كان كاتب الوحي.

الذي أعتقده في النهاية: أن الكلام الذي كتبه كاشغري رده وكفر بالله لكن لو تاب وصدقت توبته.. فقد يكون العفو عن قتله أولى، لعموم الأدلة الصريحة في  كتاب في قبول توبة المذنب.

و لو رأى الإمام أن يعزره، ويجلده أو يسجنه، لكن دون القتل، فله ذلك، ليكون فيه زجر له ولغيره عن التجرأ لهذا المقام الشريف. ولكن دون القتل!  أسأل الله أن يملأ قلب عبده حمزة بمحبة رسوله وأن يجعل ما سمعناه من تراجعه عن توبته كذباً.. وأن يصدق في توبته، وعودته إلى الله .

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق