النسوية، صراع إثبات الهُوية

الكاتب:

10 فبراير, 2012 لاتوجد تعليقات

في العام ١٧٨٧ م شُكل الدستور الأمريكي الذي يُعد أقدم دستور مكتوب معمول به حتى وقتنا الحاضر، وذلك يعود إلى مرونته وقابليته للتعديل؛ حيث استطاع الاستجابة لمطالب حقوقية فئوية ظهرت لاحقًا بعد إنشائه، ومنها حق المرأة في التصويت والانتخاب.  ففي عام ١٩١٣م تمكنت “أليس بول” و”لوسي بيرنز” من إقناع “كاري كات” رئيسة جمعية حق المرأة في التصويت القومية لتنظيم موكب للمطالبة بحق تصويت المرأة في واشنطن العاصمة، يوم أداء “وودر ويلسون” للقَسم الرئاسي في البيت الأبيض، والمسيرة قوبلت بعنف من قبل شريحة واسعة من المجتمع الأمريكي الذي كان رافضًا فكرةَ منح حق المشاركة السياسية للمرأة.

ومع النهاية المؤسفة للمسيرة، إلا إن ذلك لم يُثنِ الناشطات عن استمرار مطالبتهن بحقوقهن فقاموا بتوظيف الصحافة الحرة لكسب التعاطف مع قضيتهن، وإلقاء الضوء عليها. فالتقت الناشطات بالرئيس ويلسون الذي أخبرهن أن لديه أولويات للعمل عليها، وأن آلية إعطاء المرأة حقها في التصويت في الولايات بالتتابع من خلال إقامة الحملات في كل ولاية على حده لن تتغير، ومع أن “ويلسون” لم يكن معارضًا لذلك بل المجتمع الأمريكي المحافظ  آنذاك إلا أن أليس ولوسي وجهتا هجومهن على الرئيس الأمريكي؛ عن طريق استغلال قوة الإعلام للحشد ضده في الدورة الانتخابية التالية عام ١٩١٦م، وفي حملة روَّجت بأن “ويلسون ضد المرأة”، ومن خلال استخدام حق تكوين الأحزاب الذي نص عليه الدستور الأمريكي قامت بإنشاء الحزب الوطني للمرأة، وبعد سلسله من مشاكسة الرئيس ومجلس الشيوخ الأمريكي، وبعد باع  من السجن والتعذيب الذي تعرضت له مع حزبها إلا أن النساء حصلن أخيرا على حق التصويت عام ١٩٢٠م .

استقراء تاريخ النسوية حول العالم ودراسة معالمه وحراكه والاستراتيجيات التي استخدمها تخبرنا كثيرًا عن خط سير النسوية السعودية، التي خرجت من دائرة المعتاد وبشكل سريع حتى بتنا نسمع أسماء عديدة تتحدث عن حقوق المرأة وتعرض مشاكلها للنقاش والحوار، وتلك جميعًا مؤشرات جيدة، لكنها غير فاعلة ولم تجد نفعًا حتى الآن في حل المعضلات التي تطرح وبقوة على الساحة، فما الذي فعلته “أليس” لتنجح ولم تستطع فعله الناشطة السعودية؟

أليس بول التي كانت تتمتع بصفتها مواطنةً أمريكية بحق التعبير عن الرأي في دولة يكفل دستورها حق تكوين مؤسسات المجتمع المدني هي حتمًا النقيض لما هو الوضع عليه في السعودية، وهنا تجدر الإشارة إلى كونه لم يحدث يومًا أن تمكنت المرأة من النجاح في المطالبة بحقوقها في ظل غياب شرعية تكوين مؤسسات المجتمع المدني، فمطلب حقوق المرأة هو مطلب فئوي قد لا يدعمه المجتمع كلا؛ لذا فوجوده تحت ظل شرعية مدنية هو ركن أساسي وليس ثانويًّا، ودون شرعية تكوين مؤسسات المجتمع المدني وعدم كفالة حق التعبير في أي نظام، فإن أي حراك فئوي “وليس النسوي فقط ” هو حراك فاشل بالمحصلة.

من الأمور الأخرى التي يجدر الإشارة إليها في نضال أليس هو رفضها للوصاية السياسية، ذلك إن كاري كات (رئيسة جمعية حق المرأة في التصويت ) وهي الأخرى ناشطة في حقوق المرأة، التي كانت راضخة لقرار العمل على منح المرأة حق التصويت للولايات بالتتابع عن طريق إجراء الحملات ودون تحديد إطار زمني لذلك، والتي كانت ترى البيت الأبيض كمؤيد لحق المرأة للاقتراع، فإن أليس كانت نقيض ذلك، ذلك أنها وبدلا من مجاراة قرارات البيت الأبيض رفعت الشعارات ضده باعتباره المسؤول الوحيد عن حرمان المرأة من ممارسة حقها في الاقتراع والمشاركة السياسية.

 من هنا نستطيع استنتاج أهمية الخروج من وصاية السياسي، فالنسوية السعودية ما تزال توجه رسالتها للسياسي ليمعن النظر فيها مستجدية لا طالبة حق، كما أنها تختار عرض قضاياها وفقًا لأهواء السياسي، فتجدها تبتعد عن  القضايا التي تمثل للسياسي خطًّا أحمر. فالسياسي يقوم بتأطير القضايا التي يريد النسوية أن تثيرها من خلال مباركته لظهور أصوات تبعث برسالة مضمونها أنه فعلا مهتم بهذه القضايا التي تتحدث عنها مندوباته بين الفينة والأخرى، دون اتخاذ إجراء واضح وصريح تجاهها، التي لا تتعرض مطلقا لقضايا مثل التحرش الذي تتعرض له بعض المعتقلات في سجن ذهبان في جدة، فتجد هذه الأصوات تركز على طرح قضايا مثل قيادة المرأة للسيارة أو تحيز القضاء مُلقية اللوم على التطرف الديني، ومبتعدة عن حقيقة دعم النظام وتوجيهه جملة وتفصيلاً لهذا التطرف، ومتغافلة عن حقيقة أن السياسي هو من يمتلك زمام المنصب التشريعي الأوحد في النظام.

النسوية السعودية إن أرادت النجاح فعليها أن تعمل على تمكين المرأة بخط موازٍ لمطالب تحقيق الدولة المدنية، ذلك أن شرعية تأسيس حزبٍ يُعنى بحقوق المرأة سيحل معضلة التشرذم التي تعاني منها النسوية حاليًّا، أما أن تبقى على ما هي عليه فإن حلم التغيير سيبقى بعيد المنال.

 خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق