فيلم (الخروج): هل حدّت الثورة المصرية من تهجير الإبداع المصري!

الكاتب:

5 فبراير, 2012 لاتوجد تعليقات

عُرِضَ فيلم” الخروج”/” Cairo Exit” في نوفمبر الماضي في العاصمة الأمريكية واشنطن جزءًا من فعاليات مهرجان Arabian” Sights” /”أربيان سايتس” السينمائي في سنته السادسة عشرة. شاهدتُ الفيلم في اليوم الأخير لعرضه، وأدهشني كما أدهش جميع الحضور.

الشيء الذي أدهشني أكثر من أي شيء آخر، هو ما صرّحت به السيناريست “ألكساندرا كينياس” بعد العرض، وهو أن الفيلم لم يُعرَض على شاشات السينما المصرية، حتى بعد سقوط مبارك! فقد زعمت هيئة الرقابة المصرية -على حسب كينياس- أن سبب منع الفيلم من العرض؛ هو قصة الحب بين الشاب المسلم والفتاة المسيحية، التي قد تؤدي إلى توتّر العلاقات بين المسلمين والأقباط في مصر، خاصةً بعد أحداث ماسبيرو في أكتوبر الماضي.
تطرَّق الفيلم إلى قضية عدم تقبّل زواج المسيحية من المسلم من قبل عائلتي الشاب والفتاة، إلا أن الفكرة لم تكن محورية في الفيلم. سآخذ بزعم هيئة الرقابة فَرَضا وأوجّه لها السؤال التالي:
لماذا لم تقلقوا من عرض فيلم “حسن ومرقص”-وغيره- قبل عدة سنوات، بالرغم من أن العلاقات الإسلامية/ المسيحية في المجتمع المصري كانت هي محور الفيلم؟! لماذا الآن والشعب المصري يُثبت كل يوم أنه لن يقبل أن يعيش تحت رزحة القهر أو الصمت!
المخرج الشجاع “هشام عيساوي” صرّح بمطالبة الرقابة له بتغيير السيناريو، وبالتحديد تغيير دين البطلة، الشيء الذي لم يقبل عيساوي التفاوض فيه؛ ولأنه لا يستسلم بسهولة، فقد حاول التحايل على قرار منع الهيئة بتقديم سيناريو مختلف عن الذي سيصّورونه حقيقةً، لكن هيئة الرقابة اشتمّت رائحة روح ثائرة خلف العمل، فرفضت الموافقة على السيناريو برمته.

كانت عملية تصوير الفيلم ووصوله إلى شاشات عرض مهرجان دبي السينمائي الدولي قصة في حد ذاتها. فقد اضطر عيساوي أن يُقّلل عدد طاقم العمل إلى أقل من النصف، واضطر الممثّلون أن يتخّفوا أثناء عملية تصوير المشاهد الخارجية. استطاع عيساوي وفريقه أن يُقنعوا أهالي حارة (دار السلام) بالتستّر عليهم إلى أن ينتهوا من التصوير، لهذا تكاد تشعر أن الكاميرا تلهث مع الممثلّين وتحتمي بهم في المشاهد الخارجية، بشكل بدت فيه بعض المشاهد بعيدة كل البُعد عن التمثيل، وقد أعطى ذلك بُعدًا واقعيًّا لصورة الفيلم، هذا عدا ديناميكية ألوانها.

قد يزعم البعض أن فيلم “الخروج” لم يأتِ بجديد، إذ يُناقش قضايا اجتماعية نُوقشَت من قبل في السينما المصرية، خاصةً في السنوات العشر الأخيرة. فقضية ارتباط شاب مسلم بفتاة مسيحية والعكس، وقضية العشوائيات، وتعذّر الزواج للشباب، وارتباط الفقر المدقع بالأمراض والمآسي الاجتماعية، ناهيك عن بيع الجسد من أجل لقمة العيش، كل هذه القضايا طُرحَت في أفلام مصرية كثيرة، وهذا طبيعي برأيي؛ لأن هذه القضايا واقعية وتمس شريحة كبيرة من المجتمع المصري، التي بدورها تؤثّر في النسيج الاجتماعي كله.

لكن الفكرة الرئيسة للفيلم ليست أي من هذه القضايا آنفة الذكر. “الخروج” هو تعبير عن رغبة الشعب المصري في الخلاص، بطريقةٍ أو بأخرى، مهما اختلفت أو احتدّت ظروفهم. فالبطلة أمل تريد الخلاص من ظروفها العائلية البائسة، أمها المريضة، وزوج أمها المُقامِر الانتهازي، وأختها المطلّقة “حنان” قررّت بيع جسدها لتتمكّن من إلحاق ابنها بمدرسة في حيّ راق، و”الخروج” من الحيّ الذي يعيشون فيه، في حين كونها لا تُدرك أنها تخسر ابنها بتركه طوال الوقت في الشارع الذي بات يتعلّم سلوكياته. والبطل “طارق” يتوق أيضًا إلى “الخروج” من تحكّم أخيه ومن الذلّ المتواصل، للحصول على وظيفة بسيطة تُعطيه الحد الأدنى من الكرامة والمردود المادي الذي يستطيع به أن يُوفّر حياة كريمة للفتاة التي يُحبها “أمل”، ليُحافظ على صورته رجلا أمامها. أما صديقة أمل “رانيا” فهي تحتاج أيضاً إلى “الخروج” من أزمة فقدها بكارتها على يد الشاب الذي أحبّته وهجّ من البلد، بالزواج من شخصٍ يكبرها بسنوات عديدة ولا تشعر تجاهه إلا بالازدراء، حتى وظيفة “الديلفري” التي تحصل عليها “أمل” تعبِّر عن حاجتها إلى”الخروج” من المكان الذي يوجد فيه صاحب المطعم الشره والمجرّد من كل معاني الإنسانية، الذي كانت تعمل عنده.

الكل يُريد الخروج، والكل يعيش في عُنق الزجاجة. وتزداد الرغبة في الخروج إلحاحًا كلما ضاق الخناق على الشخصيات، وكلما شدّهم الواجب والشعور بالمسؤولية إلى الأسفل! “أمل” لا ترى مخرجًا سوى الحب والسفر، و”طارق” لا يرى مَخرجًا سوى قارب يحمله إلى ضفةٍ أخرى، أخت أمل “حنان” تحلم بالخروج من الحارة، وصديقة أمل لا ترى مَخرجًا سوى المال حتى لو كلّفها ذلك بيع نفسها.
لم تُخططّ “أمل” للخروج؛ لأن ارتباطها بعائلتها وإحساسها بالمسؤولية تجاههم كان يكبّلها، هذا عدا خوفها من المجهول، وخوفها من أن يغرق “طارق” في المركب الذي يريد أن يهرب به إلى إيطاليا. لكن لحظة ما أطلق ابن أختها النار على زوج أمها وركضتْ لتأخذ المسدس من يديه، كانت تهمة القتل قد لبستها وعيون الجميع باتت تُلاحقها. لم تُفكّر “أمل” وقتها، لكنها ركضت لتلحق بمركب “طارق” المسافِر إلى الضفة الأخرى. كان المركب قد رحل، وكل الأبواب قد أُغلِقَت دونها، حينها فقدت “أمل” الخوف، وقفزت إلى الماء، وهي تُنادي على طارق!

الفيلم يتساءل عن مدى امتلاكنا إرادة الاختيار حينما تلوح في الأفق فرصةً للخروج. هل نحن مَن نختار الخروج أم أن الخروج هو مَن يختارنا؟ ما احتمالات البقاء وكل شيء حولنا على شفا الانفجار والانهيار؟ هل يكون الخروج وقتها خَيارا أم قَدَرا؟ أم مجرد استجابة غريزية؟ هل يصبح الخروج حينها وسيلة للخلاص أم طريقًا لانتحار بطيء؟

فيلم (الخروج) يثير كل هذه الأسئلة، أثناء تعريجه على القضايا الاجتماعية التي تؤرِّق عشوائيات القاهرة، التي كانت فتيل ثورة 25 يناير2011، نجَح هشام عيساوي وفريقه من الإفلات من قبضة الرقيب وتهريب (الخروج) في قارورة زجاجية عبر البحار. وتميّزت ميرهان ( في دور أمل) ومحمد رمضان ( في دور طارق) بشكلٍ جعلنا نُصدّق أنهما مواطنان عاديان يركضان بين أزقة القاهرة لكسب العيش.

أما السؤال الأكبر هنا: هل سيستمر الفنانون المصريون في تهريب إبداعاتهم في مراكب”الخروج” تفاديًا لمقص الرقيب؟! وكم من الأعمال والإبداعات سيخسر المشهد الفني العربي من تلك التي تغرق في محاولة الخروج؟!
إن نجاح الثورة المصرية وتحقيق مطالبها لن يحصل إلا إذا تُرجِم ذلك على الواقع الفني المصري. نأمل أن نرى فيلم (الخروج) على شاشات السينما المصرية قريبا.

 خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق