صلاحية الدولة الدينية بعد أزْمِنة التَّشريع

الكاتب:

28 يناير, 2012 لاتوجد تعليقات

 ترتبط الدولة الدينية في أذهان “الحركات السياسية الدينية” الأشهر ارتباطًا غائيًّا مفهوما ومبررا ضمن مبادئ الدين الذين تعتقده تلك الحركات الدينية – أيّا كان هذا الدين- باعتبارها قوّة مطلوبة بل مشروعة- غالبا تشريعا مقدساً لا يقبل الجدل!- لتحقيق استعلاء الدين على الدنيا في دوره الحاكمي، وهذا الدور بلا شك يتضاءل عند “الأحزاب الدينية” التي تهذبت عبر التجربة الديمقراطية الليبرالية أو عبر التجارب الإصلاحية العملية من داخل الدائرة الدينية نفسها سواء عبر الإنماء المعرفي التجديدي المقصود أو عبر الصراع مع المُخالف؛ وثَمَّ الاضطرار لخلق مناطق آمنة أكثر اعتدالا، عموما فإن مُطلق المرجعية الدينية – سواء باختيار الأغلبية أو سواه- هو المُمايز الأصيل بين الدولة الدينية المحضة وغيرها من أشكال الدول.

غالبا ما تُقحم الدولة الدينية بوصفها شكلا حاكميا في الصراعات بين الدين والسياسة، وأحيانا تُعَد تاريخيًّا ضمن أشكال الحُكم القديم الذي يجب أن يَجُبّه التطور الحضاري للإنسان عموما، وبغض النظر عن نزاهة أو صحة هذه الإقحامات فإن من تولّى كبرها هم من مملثي هذا التوجّه الديني السياسي ومعارضيه على حد سواء، بما لا يمكن معه اعتبار هذا الصراع غير المتكافئ طارئا في أدوار الدولة الدينية بقدر ما هو متجانس مع هويتها، فغالبا ما يتكئ ممثلو الدولة الدينية إلى مفاهيم لاهوتية تبرر هذا الصراع بل تقدسه وتضفي الأوصاف العُليا على متزعميه باعتبارهم فدائيين باسم المقدّس أو (الله).

إن الانتقال بالدين من طوره الدعوي/التبشيري إلى طوره السلطوي لم يكن انتقالا فجائيا عبر تاريخ السياسة ولا عفويا بل كان انتقالا مخططا مارسه الرجل السياسي -لا الديني- بصفته أسلوبا من أساليب التغلّب كان فيه رجال الدين العصا التي يهشُّ بها السياسي على رعيته، سواء بوعي رجل الدين وقصده أو غفلته، وسواء كان نابعا عن معتقداته الدينية أو عن مآربه الشخصيّة الأخرى، وعلى هذا النسق فلن أتوقف هنا عند الأديان بصفتها مفهوما مُقدّسا عند معتقديه ولا حتى عند المفاهيم المُقدّسة التي أخذت طابعا دينيا في عصور ما قبل تشكّل أو نزول الأديان، كما لن أتوقف عند “صلاحيّة” الأديان نفسها، بقدر ما أستهدف المُنتج البشري وهو الدولة الدينية.

 

  • الدولة الدينية، والسلطة الدينية:

يتداخل هذان المصطلحان في المفهوم ويتمايزان كثيرا عند التطبيق، فكلاهما يَحِملان الصفة القُدسيّة التشريعية العُليا باسم الإله (الله) ويُحمِّـلان المنفّـذ أو المتسلط لأجل هذا التشريع المقدس، يُحمّلانه صفة العصمة إما بالتعالي عن الخطأ أو بالتعالي عن المحاسبة عند الخطأ، فإذا كان الفراعنة – كمفهوم ديني خارج الأديان التقليدية- قد جعلوا فرعونهم متعاليا عن الخطأ أصلا، فإن كثيرا ممن ممارسي الأديان بعد ذلك تعالوا بحاكمهم البشري عن حق المحاسبة وإن جلد الظهر وسرق المال واستعبد الإنسان، وهذا بالضبط ما أختارُ أن يتمايز عنده مفهوما الدولة الدينية والسلطة الدينية، فالسلطة الدينية هي التي تصرّح وتُظهر عصمة المتسلّط باسمها – حقا كان أم بالباطل – كعصمة الأنبياء زمن التشريع وعصمة خلفائهم عند بعض العقائد أو عصمة نائبي هؤلاء الخلفاء، وهذه العصمة تكتسب وجَاهتها العفوية عند الأنبياء وتُصنع وجاهتها القهرية بعد ذلك بالقوة المادية أو بالأيدولوجيا، كما أنها تمتاز بإطلاقها السلطوي ومركزيتها وبساطتها التطبيقية، أما مع الابتعاد عن أزمنة التشريع وتعقّد الصور التطبيقية للشرائع وتعدد جهاتها ونشوء الدولة بوصفها مفهوما مؤسسيا متكاملا اُستعيظ عن المفهوم الصريح للسلطة الدينية المطلقة، بالدولة الدينية التي تُقرّ ببشريتها علنا لكنها تستمد مفهوم العصمة ضمنا بارتكازها على المرجعية الدينية كمفهوم وكمؤسسات عبر رجال الدين الذي يساندون هذه المُهمة.

وأنا أفرّق هنا، لأن كثيرا من المنظّرين الآن في الربيع العربي تحديدا يرفعون شعاراتهم الدينية ويؤكدون أنهم يؤمنون بمدنيّة الدولة وأنهم يُعارضون مفهوم العصمة وولاية الفقيه ونحوها، لكنهم لا يتخلّون عن الدولة الدينية بصفتها مفهوما ضمنيا، وغيرهم ممن يُناكفون ظاهرا مفهوم السلطة الدينية وعصمتها عن الخطأ على حين يتعالون بالحاكم عن المساءلة (العصمة من المساءلة) ضمنا وصراحة أحيانا، والتطبيق الأظهر لهذا التفريق هو في حيّزنا الحالي في المملكة العربية السعودية كمثال، التي تُقدّم نفسها أولا ودائما وأخيرا بأنها دولة دينية مع رفضها القوي لمفهوم السلطة الدينية المعصومة.

وبناءً على ذلك، فإن مفهومي السُّلطة الدينيّة والدولة الدينية سيندمجان تماما في أزمنة التشريع (عصور الأنبياء)، ولن يفترقا إلا بعدها مع التجاوز في حقيقة معنى الدولة المؤسسي الذي كان قاصرا أو متلاشيا أحيانا في ظل الأنبياء إما لمحدودية الرسالة أو لمحدودية المجتمع من جهة العدد والاحتياج المدني.

 

  •  الدولة الدينية في أزمنة التشريع:

كان من طبيعة الأديان أو المفاهيم التي تتخذ طابعا دينيا أن تتخذ مُمثلا من بينها أو يُصطفى لها ممثل منها يتزعّم مصالحها التعبدية والدنيوية – بالحق أو بالباطل – ومن المنطقي أن الإيمان عند الفرد ينطلق أساسا من الإيمان بهذا الزعيم ومصداقيته حتى قبل الإيمان بالله نفسه، لأن هذا الزعيم هو الذي سيدلّهم لاحقا على الله وسيعرّفهم به ذاتا وبطرُق الوصول إليه، وبالنظر إلى أن هذا الزعيم أو النبي هو سابقٌ في التصوّر عند المؤمن، سابق لكلِّ شيء، لله أيضاً!، يمكن إدراك حجم التسليم والانقياد الذي يلتزم به الفرد المؤمن نحو هذا الزعيم، هذا الحضور في حياة الفرد والجماعة للزعيم يشكُّل قوّة “فارقة” في الدولة الدينية الأوليّة، يمكن من خلالها فهم المقوّمات المتفرّدة للدولة الدينية في أزمنة التشريع باختصار بما يلي:

١- حضور مادي لحاكم معصوم سابق التصوّر يعيد من “خلاله” المؤمن تعريف ذاتيّته ووجوده، ويُسلّم له اختياريا بالطاعة المُطلقة.

2- مُطلق الولاء، لا تظهر في الدولة الدينية زمن التشريع إشكاليات الولاء والهويّة بشكل مُعقّد، فكل ذلك سيتمحور فورا أو تدريجيا حول فكرة متحدة هي الدين الذي يمثله زعيم له حضوره الفاعل في تفاصيل حياة معتنقيه اليومية، بصفته مبلّغا للتشريع ومنفّذا وقاضيا، فالولاء قائم على  الواجب الديني أساسا لا الاحتياج المدني.

٣- حدّية الانتماء، فالفرد الخاضع لسطة الزعيم الدينيّة إما مؤمن أو غير مؤمن، هذه هي النقطة الأولى التي يُعرف بها ضمن المجتمع – على تفاوت بين الأديان في ذلك!- وهذا لا يعني تمايزه بالحقوق بالدرجة الأولى بقدر ما يعني تمايزه في التزاماته تجاه زعيمه.

٤- عدم اكتمال التشريع، هذه نقطة ممايزة أصيلة وأساسيّة، فالعيش ضمن سلطة زعيم حاكم أثناء التشريع يحقق نسبة من التفاعل الاستثنائية جدا بين الرعيّة وراعيها، وسيظل في ذهن الشعب فردا وجماعة تطـلُّـع دائم لتشريع جديد أو نسخ تشريع مسبق. هذا التوق الدائم للتشريع يشدّ من وِثاق الرابطة ويُشعر الشعب بتماهيه – مجازا – مع سُلطته ويساهم في خلق مساحات من الأمل في ذهنية الشعب تعزز الانتماء والانقياد على الصعيد الاجتماعي، بخلاف فيما لو كان التشريع مُكتملا/متوقّـفـًا في غياب زعيم كما سيأتي.

٥- اتحاد المرجعيّة واتّحاد تفسيرها: و”صمّام أمان” هذا الاتّحاد هو حضور الزعيم الديني حقيقةً وحضور التشريع، هذا الاتحاد لا يكفل السلامة من الاختلاف لكنه يكفل بشكل حازم جدا إبقاء أي اختلاف في مناطقه الآمنة التي تضمن حالة استقرار كافية للدولة، وفي حالة النزاع سيكون الحسم لصالح الزعيم الديني مطلبا إيمانيا سيجد معتنقيه بمطلق ولائهم وحدية انتمائهم، وهم مهما اختلفوا فإن النزاع سيجمعهم إما بدافعهم الذاتي الإيماني أو – في أسوأ الأحوال- بدافع ضرورة تمايزهم عن غيرهم من غير المؤمنين أو المنافقين، وهذا تصنيف ديني حازم سيتحاشون الوقوع فيه.

إنّ كل هذه العوامل بتضافرها تجعل”مركزية” الدولة الدينية في زمن التشريع – فوق أنها لازمة لصلاحيتها – تجعلها مركزية مطلوبة اختياريا من الشعب، وهذا التراضي إن صحّ التعبير أو هذا التناغم الغائي يحقق حالة استرخاء ونماء حضاري فريد (لكنّه محدود ظرفيا!) مما يُغري بالحاجة إلى تناسخ هذه الحالة جيلا بعد جيل، حتى بعد زوال ظرفها.

وبتأمل هذه المقوّمات العتيقة في سياق دولة، سنجد أن كلّا منها مرتبط عضويا بحضور الزعيم حقيقة ووجود حالة من مرونة أو عدم اكتمال التشريع، وأن أي محاولة لتصدير هذا النموذج لزمن متقدم ستكون محاولة يطّرد عُسرها مع تقدم الزمن وابتعاده عن زمن التشريع، وإن تيسير المهمّة سيقع على عاتق إعادة تصوّر الدين باستمرار من قبل معتنقيه بما قد يُخرج الدولة من صفتها الدينية المحضة كالدولة علمانية السلطة، الدينية في مؤسساتها المدنيّة، أو سيخرج الدولة نفسها من صفتها الدينية – ضمنا- عبر جمودها في ظل نموذج متحجّر قديم أو مُزيّف كما يحدث في الدول الدينية التي تتبنّى الاستبداد بمظالمه، وهل وصل النّاس إلى غير هاتين النتيجتين؟!

إذن، يُمكن ملاحظة أن الزمن بملحقاته – من توفّر الزعامة المطلقة والتشرع- عامل رئيس في استقرار الدولة الدينية، وأنه – بالكاد-  يحتوي وقت الرسالة نفسها أو وقت التشريع، وهذا لا يعني أن كل التطبيق الديني يتوقّف على هذا العامل، لكنني أحب هنا إفراده  بالضوء الأعلى لتأمّله.

 

  • الدولة/السلطة الدينية بعد أزمنة التشريع:

بتمايز هذين المفهومين، سأتجاوز نموذج السلطة الدينية وولاية رجل الدين ونحوها وسأتوقف عند نموذج الدولة الدينية التي لا تؤمن بعصمة الحاكم لكنها من تحت الطاولة تمرر له ورقة العصمة ضمنا، العصمة من مخالفته مطلقا ومن مساءلته، وهذا الحاكم باعتباره ليس نبيا أو مقدّسا بذاته فإنه سيُوظف التراث الديني بنصوصه وتفسيراته وتطبيقاته وأيضا بتاريخه في سبيل تدعيم سلطته المطلقة القهريّة، وإذا ما ميّزنا بالضدّ فإن زوال حقيقة جميع المقومات السابقة للدولة الدينية في زمن التشريع سنجد أن الدولة الدينية هنا مُطالبة بكثير من التدعيم لشرعيتها أولا ثم لصلاحيتها، وسيظل هذا التدعيم مفتقرا على الدوام للحقيقة، فلا بد من الخلق المستمر للصورة المستنسخة عن صورة الدولة الدينية الأولى، وهي محاولات إن نجحت في تدعيم الشرعية في ذهنية الشعب العامة فإنها قطعا تفشل في تدعيم الصلاحية، لأن الشعب بنمائه التاريخي المدني وضرورة إعادة تعريفه خلافا لنقطة الإيمان والكفر سيظل مفتقرا لسد احتياجاته الأساسية أهمها:

–        في حالة الشعب المؤمن سيحتاج دوما لمقاربة فاعلة لزمنه مع زمن التشريع ونقله لهذا الاحتياج الفردي أو النوعي إلى منطقة الاحتياج المدني العام منافيا لزمنه وللمدنية نفسها، وأشبه ما يكون بالدخول في صراعٍ وجودي، وهو ما ينتج للمجتمع صراعا في القضايا الأكثر هامشيّة في الدين نفسه وفي المدنية نفسها ويفقده حالة الاستقرار، ففي حين يهلك نفسه في المقاربة العسيرة تراه عالقا بين بين، وهذا في نطاقه الفردي أو الطائفي لا يعد مشكلة حقيقية للدول بيد أنه سيجد نفسه مدفوعا بإيمانه ملتزما بنقل مساحته الإيمانية الفردية إلى نطاق سلطته الأعلى وهذا النشاط في صورته الأنضج تتمثله الحركات الدينية التي تحاول تحقيق هذه المقاربة بتفاصيلها لا أطرها الدينية العامة فحسب، هذه الحركات – كما ذكرنا سلفا- لن تجد بدّا من المضي في أحد سبيلي الخروج على الفكرة الدينية حقيقة نحو المدنية صراحةً أو ضمنًا نحو الاستبداد.

–        الأقليّات وتعدد المرجعيّات: إن التنوّع الشعبوي بأكثريته وأقليته لن يشكّل مشكلة فارقة في الصلاحية إلا إذا ارتبط هذا التنوّع بتعدد في المرجعيّات، إن الاختلاف حول نقطة التعريف الأولى التي يتمايز فيها الفرد عن غيره ضمن مجموع الشعب هي نقطة متّصلة تماما بالمرجعيّة الحاكمية؛ لأن ذلك التعريف مبني على الحق والواجب، الدولة الدينية المحضة لا تفاوض على أحادية المرجعية التشريعية والحاكمية وستضع صلاحيتها على مفرق طريقين عندما تحاول التناغم مع هذه الحاجة، أعني الحاجة للتفاهم مع تعدد المرجعيّات تشريعيا وقضائيـا.

–        الضمير الديني، والضمير المدني: الدولة الدينية في زمن التشريع تُبنى ابتداء على إحياء الضمير الديني كوسيلة مُعايشة بين الأفراد بعضهم بعضا وبين الشعب وسلطته المعصومة إلى حد سيجد المعصوم/النبي نفسه متجها للتبشير الجزائي الأخروي (الجنة والنار) لفرد بعينه واسمه دون آخر، وهذا كله إعلاء للضمير الديني على سواه، في حالة توقّف الرسالة وغياب المعصوم وتشكل الشعب بتنوّعه المرجعي وحاجاته المدنية سيُهدم جزء أصيل من بناء صلاحية الدولة الدينية المتوقف على الضمير الديني بالتعاضد مع محور العقوبات المُبرّر دينيا أيضا كوسيلة تكفير مثلا، وستنبت الحاجة لضمير مدني له مقوّماته المدنية المتحققة عبر الولاء لهويّة حقيقية (عامّة) هو جزء منها، إن مهمة بناء ضمير مدني بالتعاضد مع عقوبات مدنية سيعتبر تحديا يهدد صلاحية الدولة الدينية بعد أزمنة التشريع ويحدّ منها، فهي مهمّة – فعليا- تنطلق من نقطة تحت الصفر. ولن تفلح حينها النداءات الأيدلوجية التي تمنح كراماتٍ للأولياء أو درجاتٍ للصالحين، وحدها!

 

  • المرجعيّة الدينيّة، والذرائعية الدينية:

الحديث في هذا الجزء يستحق تفصيلا سأحاول إجماله بما يتعلق بصلاحية الدولة الدينية بعد أزمنة التشريع. إنّ الإشكالات الأصيلة التي ستواجهها المرجعيّة الدينية بعد أزمنة التشريع ستوّلد أشكالا من محاولات الإصلاح أو الترميم بما يضمن بقاء مُسمّى – بغض النظر عن حقيقة الوصف!- مُسمّى الدولة الدينية مقدسا قداسة الدين نفسه، وضروريا وغائيا، إما لأغراض نزيهة يبدو أكثرها نزهة هو محاولة استنتساخ عصور التشريع وحالاتها الرخائية جيلا بعد جيلا بواسطة شعارات استرجاع المجد أو العزّة أو نحوها، وهذا مرتبط جذريًّا بمشكلات حضارية لدى معتنقيه، أو لأغراض أخرى في أحيان كثيرة لا تتقاطع أصلا مع الأديان نفسها بل تتضادّ معه.

إنّ أسوأ ما يمكن أن ننتهي إليه محاولات ترميم المرجعيّة الدينية هو تصويرها بصفتها ذرائعية دينية وتجسيرها للوصول إلى أشكال سلطويّة جائرة، يُسكت فيها الضمير تماما باسم الدين وتلهية الفرد عن حقوقه باسم الدين أيضا، وفي حين كانت الأديان طرائق رحمة تصبح بجعلها ذرائعية سياسية طرائق طغيان واستبداد، تُشكّل في ظلها ثقافة شعبية خطيرة يصوّر فيها المُطالب عن حقه خارجا عن دولته الدينية – وثم مخالف للدين نفسه!- أو خائن للدين أو منافق.
إنّ الفرد المؤمن في الدولة الدينية بعد أزمنة التشريع يتجنب بالضبط ما يتجنبه المؤمن الأول في ظل نبي، لكنه يفقد كُليّا الحالة الدينية التي عاشها المؤمن الأول، يفقد الحقيقة ويعيش في ظل تزييف مُركّب، يصبح من خلاله الاعتماد على دولة دينية “محضة” لخلق حالة من العدالة والحقوق الإنسانية مطلبا يضرب بأسئلته في صلاحية هذا الشكل من الدول أساسا.

 خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق