عن الصحافة وبيان القطيف والإصلاحيين – 2‎

الكاتب:

4 يناير, 2012 لاتوجد تعليقات

لا يوجد شيء يؤثر في الحياة الإنسانية يمكن اعتباره خارج السياسة. (وودرو ويلسون- الرئيس الثامن والعشرون للولايات المتحدة الأميركية)

تعمدت في حديثي السابق من الجزء الأول لمقالي أن ابتعد نوعا ما عن التطرق لجانب أراه مهما؛ ولتلك الأهمية احتفظت بأحقيته بالانفراد في جزء آخر، وألا يكون عرضيا أو هامشيا، وهو الحديث عما يتلخص في الأسئلة التالية:
– ما مفهوم”الأمن والأمان” النسبي؟!
– لماذا الحكومة السعودية لا تمارس هذا المفهوم، هل من شيء يمنعها من فعل ذلك؟!
– هل بالفعل مارست أميركا المفهوم المطلق في مواجهة حركة “احتلوا وول ستريت”، وإنجلترا في مواجهة أعمال الشغب الأخيرة، كما استشهد بذلك صحفيون بوصفها حجة داعمة لنقدهم وهجومهم؟!

وعلى نحو ما تحدثت باقتضاب في مقالي السابق حول مفهوم”الأمن والأمان”النسبي، الذي ينخفض في مناطق لأدنى الدرجات، ويكون متوسطا ومرتفعا في مناطق أخر، أقول، إن هذا الانخفاض هو ما أستطيع أن أسميه “توترا” أمنيًّا، يستلزم معه حينها البحث الجاد في سبل معالجته، هذا البحث وهذه المعالجة، تعمدت كتابتهما بهذين المصطلحين”بحثا”و”معالجة”، لكون ما يحملانه من دلالات يمكن لي اختصارها في أنها تمت بعلاقة وثيقة الصلة بواقع التأريخ الإنساني الحديث، الذي وصل في مراحله المتأخرة إلى تشريعات وأنظمة تحفظ حق الإنسان حين يكون متهما بارتكاب جرم في استحقاق العدالة، هذا الحق الذي كان مهدورا في أزمنة المفهوم المطلق من “الأمن” الذي لا يعترف بهذه الحقيقة وضرورة التعامل معها، وينفي عنها الأزلية كالخير والشر والتعامل معهما وكأنما به يستأصلهما من الوجود!، وهو المفهوم الذي يمكن لي أن أعده سهلا في ممارسته والأكثر شيوعًا في الدول الشمولية، لكونه لا يعرف أي من المصطلحين السابقين اللذين كتبتهما بحكم الحاجة في تطبيقهما ببذل مزيد من الجهود الفعلية المتضمنة في دلالاته، هذه الجهود التي تتناقض بكل بساطة مع أركان الدول الشمولية، وواقعها الذي لا يحتاج فيه تقرير مصير أي إنسان متهما سوى توقيع ورقة، وتشغيل محرك مركبة أمنية، وتجهيز زنزانة!

 فيبدو معنا هنا السؤال واضحا كما كان ملخصا أعلاه: لماذا الحكومة السعودية إذن لا تمارس هذا المفهوم، هل من شيء يمنعها من فعل ذلك؟!، وقد نتوهم أنا قد أجبنا عن هذا السؤال كما جاء في المقال الأول وفي الجزء الأعلى، حول كونها تمارس سلوكا شموليا يعطيها الحق في النفوذ والسيطرة على إرادة الشعب الذي تنتهك جراءه حقوقه وأبسط مقومات مواطنته لتحقيق مصالحها!، إلا أني أراه ليس سوى جزء من الإجابة، الإجابة التي أعني فيها أن هناك بالفعل ما يمنع الحكومة السعودية من ممارسته حتى لو أرادت ذلك بين ليلة وضحاها وقررته منهجًا، يتمثل المانع في غياب المواطن السعودي من مخيلتها في المشاركة السياسية وضيق أفقها العام، التي تخوله ضمنا وعن طريق المحاسبة، بالمراقبة التي تمنعها من الانحراف حال قررت حينئذ ممارسة هذا المفهوم “النسبي”، هذا الطريق الذي لا يزال قاصرا في مخيلة البعض في أن يكون مجرد محاسبة ومراقبة على المال العام ومطاردة الفساد في ذلك، فالمحاسبة والمراقبة لو قمنا بتفكيكها مصطلحا فهي تعني عدم احتكار “القوة” وتوزيعها ما بين الحكومة والشعب بشكله المتمثل نظاما بالمشاركة وهيئاته المدنية، وهو الذي تجسد بما فعله الأميركيون والإنجليز ذلك الوقت مع حكوماتهم على ضوء ما جرى من أحداث في حركة “احتلوا وول ستريت” وأعمال الشغب في لندن.

نعم، وهنا أجيب بهذا عن السؤال الثالث الأخير بأن الحكومة الإنجليزية والأميركية قد أفرطت في تعاملها مع المشاغبين والمحتجين بشيء من مفهوم “الأمن والأمان” المطلق، ومن الطبيعي جدا أن يحدث ذلك من أي حكومة في العالم بأن تنحرف طالما كانت بكوادر بشرية، إلا أن توظيفه من أولئك الصحفيين بإدراك قاصر كحجة على سلامته وصحته تزويرا في نظر الآخرين بشكله “المنحرف” بصفته منهجا سليما وصحيحا!، والذي لا أجد له من تفسير في تصوري -حال أحسنت الظن- سوى أنه من أحد أشكال الصدمات الحضارية، والطريفة التي تأتي على السنة بعضهم “الليبرالية” وهي في الغرب رؤية “يمينية” كأصحابنا في اليمين السعودي الذين سخر بنا القدر بأن جمعهم معا في التحريم وسحق الجماجم!

فأقول، إلا أن هذا لم يمنع المواطن المشارك في الأفق العام بتشكلاته، محاسبةً ومراقبة، من ردع هذا الانحراف والضغط الذي تسبب في ذلك الوقت بإقالة أحد المسؤولين في إنجلترا، واستئناف الأحكام القضائية ضد عديد من المشاغبين بعدما طعن محامون -تبرعوا بالدفاع- في سلامتها الدستورية، وهو الذي أشعل أيضا بالإعلام الأميركي نارا في عديد من كبريات مؤسساته الإعلامية على كافة القنوات والصحف في نقد الشرطة والعمدة، فهل يصح علينا تسميتهم بإرهابيين وأنهم ليسوا إلا خلايا نائمة في جسد تلك الديمقراطيات كما تفتق به ذهن أولئك الصحفيين الأذكياء في كشف موقعي البيان؟!، حتى يكون حينها السؤال: وما الديمقراطية إذن؟!

 #هامش كالمتن:

تبقى عزلة المواطن السعودي في ظني، المحمول عليها قسرا عن المشاركة في أفقه العام، هي ما أنتجت ذلك وستنتج الأكثر، في ظل توسع نطاق التفرد السياسي، وازدياد انحرافه عن المسار التاريخي يوما عن آخر، دونما رادع!.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق