أحداث القطيف حصاد الاحتقان السياسي

الكاتب:

13 ديسمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

إن سقوط أربعة شهداء برصاص الأمن في احتجاجات سلمية بمدينة القطيف هو عنوان لفشل سياسي رسمي ذريع. فبخلاف النهج التسطيحي للأحداث الذي درجت عليه وسائل الإعلام المحلية البليدة، لم تكن أحداث القطيف وليدة اللحظة، كما أنها ليست من تدبير أصابع خارجية كما أشير، بقدر ما هي حصيلة  لمسيرة طويلة من الفشل السياسي الذريع في معالجة المشاكل الجذرية التي تعيشها الأقلية الشيعية في المنطقة الشرقية، تلك المشكلة التي يكمن جوهرها في “الحرمان من الكرامة” بحسب توصيف منظمة هيومن رايتس ووتش ([1])، و”التمييز المنهجي” وفقا لتوصيف أقرب الحلفاء الاستراتيجيين للمملكة، الولايات المتحدة، وذلك في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية الصادر في سبتمبر 2011([2]).

المؤسف أنه وعلى غرار نظيراتها في دول الربيع العربي لم تتوان الداخلية السعودية في الايعاز بوجود أصابع أجنبية تقف خلف أحداث القطيف!. وتعود القصة كما بات معروفا إلى يوم 20 نوفمبر الماضي حين سقط الشاب ناصر المحيشي (19 عاما) عناصر الأمن عند حاجز تفتيش في مدينة القطيف، فخرجت اثر مقتله مسيرة احتجاجية في اليوم التالي سقط خلالها شهيد آخر هو علي الفلفل، وتتوالى أحداث الأسبوع الأسود بسقوط شهيدين آخرين هما علي قريريص ومنيب العدنان في مسيرة أخرى أعقبت تشييع الشهيدين الأولين!. وظهر الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي موصفا ما جرى بأنه جاء “وفقا لما تمليه عليهم المخططات الخارجية المغرضة” في إشارة للمحتجين على الأرجح!. مثل هذا الكلام سبق للداخلية أن أشارت اليه تعليقا على أحداث العوامية مطلع أكتوبر الماضي بأنها جاءت “بإيعاز من دولة خارجية”، ذلك الاتهام الذي كفانا المفكر السياسي الدكتور توفيق السيف توصيفه بالقول أنه “كلام سخيف ورخيص”.

لا ينفي المواطنون الشيعة صلتهم الروحية بالمرجعيات الدينية في العراق ولبنان وإيران. غير أن علاقة من هذا النوع لا تعدو العلاقة الروحية ولم يثبت أن لها صلة تذكر بأي شكل من أشكال التبعية السياسية كما يحاول البعض الحكم تعسفا. ان علاقة المواطنين الشيعة بمرجعياتهم الدينية تشبه تماما علاقة أي فئة دينية في العالم بمرجعياتها الروحية العابرة للحدود كعلاقة المسيحيين الكاثوليك بروما، وارتباط السلفيين حول العالم بعلماء السعودية، أو علاقة بعض المذاهب الإسلامية  بالجامع الأزهر. فالأديان والعقائد ليست خاضعة للحدود السياسية!

من هنا تبدو محاولة ربط أحداث القطيف وقبلها حادثة الاشتباك المحدود في العوامية بجهات خارجية في إشارة إلى إيران، تبدو فكرة لا تخلو من الإعتساف والنزعة السياسية تساوقا مع التوتر الإقليمي بين المملكة وغريمتها اللدود إيران.

يبدو أن أفضل توصيف للموقف الرسمي القاضي باتهام المتظاهرين بالاستجابة لتأثيرات خارجية هو ما ورد في بيان الناشطين السعوديين الصادر يوم 5 ديسمبر بأنه “هروب من الواقع المتأزم في المنطقة”.  البيان نفسه طالب السلطات السياسية باتخاذ معالجات جذرية لحل قضايا التمييز الطائفي والمناطقي والقبلي بكافة أشكاله وعدم الاقتصار على المعالجات الأمنية. حقيقة الأمر أن البيان وضع الإصبع على الجرح بنظري، فلا أيدي خارجية ولا هم يحزنون، بقدر ما يئن البلد تحت وقع التمييز الطائفي والمناطقي والقبلي بكافة أشكاله وهو الذي سيضل يولد المشكلة من رحم الأخرى إلى ما لا نهاية!

التصعيد الأمني في القطيف منذ نحو تسعة أشهر ليس إلا نتيجة متوقعة للاحتقان والناتج عن فشل العديد من المبادرات الأهلية التي لم تلق استجابة رسمية تذكر على مدى العشرين سنة الماضية. اذ يمكن تلمس جانب من مبررات تفاقم حالة الاحتقان في الأوساط الشعبية عموما والشيعية منها خاصة، على أرضية تفويت الفرص السياسية المواتية للقيام بإصلاحات رسمية ملموسة، وتوالي تعثر المبادرات الأهلية التي قدمها الناشطون من أنحاء البلاد، والشيعة منهم على وجه خاص. حتى أن عضو مجلس الشورى السعودي الكاتب نجيب الزامل وصف ذات يوم الجهود الأهلية للمواطنين الشيعة لرأب الصدع مع الطوائف الأخرى في المملكة بأنه سابقة على مستوى العالم!، وقال في اجتماع مع لجنة التواصل الأهلية في القطيف “قد تكون هذه أول بادرة في العالم حينما تبادر الأقلية وتشجع الأغلبية على التواصل أن تطالب الأقلية بحقوق المجتمع ككل أو الوطن ككل”([3]).

ثمة سلسلة من المبادرات التي قدمها أو شارك بها المواطنون الشيعة تكفي الاستجابة الرسمية لواحدة منها في نزع فتيل الأزمة المزمنة. فقد مثلت عودة المعارضة الشيعية من المنفى عام 1993 فرصة نادرة لطي صفحة التوتر لكنها أهدرت فذهبت هباء، جاء بعدها وثيقة “رؤية لحاضر الوطن ومستقبله” (بمشاركة شيعية) في شهر يناير 2003 والتي رسمت خارطة طريق لحل العديد من مشكلات البلاد بما فيها المشكلة الطائفية، فلم يكن مصيرها بأحسن من سابقتها، وأعقب ذلك وثيقة “شركاء في الوطن” وأخيرا مشروع الاندماج الوطني فذهبتا أيضا أدراج الرياح كسابقتيهما. وبعبارة أخرى ليس هناك على الطاولة سوى شريك واحد ينتظر الوصول لحلول واقعية وموضوعية للمشكلة الطائفية في المنطقة فيما يغيب الشريك الأقوى الذي يفضل باستمرار “فرض” ما يريد. وهذا هو سر الاحتقان والفشل الذريع الذي تحدثنا عنه آنفا.

([1]) منظمة هيومن رايتس واتش http://www.hrw.org/ar/node/85349/section/2

([2]) تقرير وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2011 حول الحريات الدينية في السعودي

http://www.state.gov/g/drl/rls/irf/2010_5/168275.htm

([3]) موقع الشيخ حسن الصفار http://www.saffar.org/?act=artc&id=2411

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق