تحولات الخطاب “الافتراضي” لدى النخب السعودية

الكاتب:

21 نوفمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

ثمة وعي جمعي جديد لدى النخب السعودية المثقفة آخذ بالتشكل سريعا. فقد كشفت تحولات الخطاب لدى المثقفين السعوديين على شبكات التواصل الاجتماعي من قبيل “فيس بوك” و”تويتر” عن تمايز، لا تخطئه العين، عن الخطاب الكلاسيكي الذي يتخذ من وسائل الإعلام التقليدية منصة له، خاصة الصحف منها. فإذا كانت الصحف السعودية الرسمية في مجملها لا تعدو -وفق توصيف البعض- عن صوت واحد ولسان بلهجات مختلفة، فقد كشفت مواقع التواصل الاجتماعي عن “لغات” جديدة في النخبة السعودية لم تعد تجد نفسها -خوفا أو طمعا- رهينة الخطاب الواحد، كما كان يبدو الأمر في مراحل سابقة. اللافت في الأمر أن هذا الخطاب الجديد بدا الآن كمن يقطع مسافات تكاد تحسب بالسنوات الضوئية قياسا على حقب التبعية والركود.

لقد كشف الفضاء الافتراضي على شبكة الإنترنت عن بيئة نموذجية تظهر مدى التأثر والتأثير الذي بدا يتركه (أو يخضع له) المثقف السعودي “الجديد”. سيان في ذلك الشباب المتطلع لرؤية الوطن على غير ما هو عليه الآن، أو الداعية الذي لم يعد “يغرد” بمفرده تبعا لمقتضيات فهمه الخاص متوقعا أن يحلق السرب وراءه أين ما أخذهم. إن أجمل ما في بيئة افتراضية كـ “تويتر” مثلا، أنها تضع كل “مغرد” أمام مشرط النقد والجرح والتعديل بمجرد إرساله الـ 140 حرفا التي تعبر عن رأيه في أي شأن من الشؤون. وبهذا المعني يبقى هذا المثقف أو ذلك الداعية أمام آلاف الأعين المفتوحة، وربما المتربصة، لاختبار مصداقيته في كل لحظة. ولهذا يظل الواحد في هذا العالم الافتراضي بقدر ما يملك من إمكانية التأثير في الآخرين، فهو لا يكاد يفلت من دائرة “التأثر” نتيجة قواعد اللعبة المختلفة في الإعلام الجديد.

إن مواقع التواصل الاجتماعي تكاد ترصد مواقف الأفراد، وتحولات مزاجهم العام، فضلا عن تباين ميولهم الفكرية المتغيرة على مدار الساعة! والأمثلة على تلك التحولات لا تكاد تحصى. فهناك تجد مثلا اتهام وزير الخارجية البحريني، عبر حسابه على تويتر، لدولة قطر بالتآمر على بلده إثر بث قناة الجزيرة لفيلم “صرخة في الظلام” الذي كشف حجم القمع الذي تمارسه السلطات البحرينية ضد المطالبين بالديمقراطية. كما تجد بسهولة ترحيب وشكر الداعية السعودي الشيخ عايض القرني لحلف الناتو اثر تدخله في ليبيا، في تحول دراماتيكي في النظرة والموقف من داعية سلفي إزاء القوى الغربية التي طالما وصفت بالاستعمارة!.

لقد أتاح الفضاء الافتراضي لآلاف الناس فرصة التعبير الحرّ عن مواقفهم إزاء مختلف القضايا اليومية. ففي بلد كالسعودية مثلا، الذي يفتقر على نحو حاد لأي منابر إعلامية حرة، وفر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” فرصة لآلاف السعوديين للتعبير عن مواقفهم، تأييدا أو رفضا، إزاء الكثير الملفات الشائكة التي قد تبدأ من “جدلية” قيادة المرأة السعودية للسيارة، ولا تنتهي بالنقد الحاد لاستئثار الأسرة الحاكمة بأغلب الامتيازات، وذلك عبر هاشتاق “طال عمرك” الذي كتبت عنه صحيفة الدستور ذات مرة. لقد ابتدع الشبان السعوديون في موقع تويتر مصطلح “الهشتقة” وهو عبارة عن وضع إشارة مرجعية لموضوع أو ربما شخص معين قد لا يعجبهم كلامه أو تصرفه فيخضعونه حينها لحملة من النقد الحاد والسخرية ربما شكلت نقطة سوداء في حياته.

يبقى من المفيد الإشارة هنا إلى أن مواقع التواصل أتاحت فرصة سانحة لعامة الناس للدخول في حملات المناصرة. ففي ظل غياب منظمات المجتمع المدني في السعودية التي تعد الإطار الطبيعي للتنظيمات المدنية، وفرت مواقع اجتماعية كـ فيس بوك وتوتير فرصة لآلاف الناس للتكتل وإبداء المناصرة في الكثير من القضايا الشائكة. فمن السهولة بمكان لأي مستخدم أن يطلق حملة مناصرة تطالب بالإصلاح السياسي، أو إطلاق السجناء السياسيين، أو مقاطعة شركة البان تتلاعب بالأسعار، أو حملة تدعو للسماح للمرأة بقيادة للسيارة وما إلى ذلك..

لا مناص من القول أننا بإزاء وعي جمعي جديد آخذ بالتشكل سريعا لدى النخب السعودية بمنأى تام عن الأطر التقليدية السابقة. ولهذا ستكون النظرة للمثقف السعودي كبوق للسلطة، وفقا للتصنيف النمطي السابق، لا تخلو من مجافاة عميقة للوقائع على الأرض. نحن اليوم – في الواقع الافتراضي على الأقل – بإزاء قطاع بالغ التنوع من المثقفين السعوديين، يتراوح من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن أضيق حلقات التطرف والتنوع الديني إلى أوسع الطروحات انفتاحا وليبرالية. هذا الواقع الافتراضي المتنوع لو أخضع لدراسة أعمق فلربما أعطى صورة أوضح لاتجاهات الرأي الفعلية التي تنضح بها مجتمعاتنا.

 خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق