السعوديون إذ يلعبون خارج أرضهم

الكاتب:

5 أكتوبر, 2011 لاتوجد تعليقات

إن من طبيعة الأمور وبديهيات الأشياء أن يولي كل أحد جل اهتمامه بشئونه الخاصة، قبل اهتمامه بشأن الآخرين غير أن هذه البدهية ليست قائمة لدى النخب السعودية بالضرورة !. إن تقصيًا عابرًا لانشغالات بعض النخب السعودية، بين الهم الداخلي الخاص والهم الإقليمي والدولي العام، سيأخذنا إلى نتائج ربما تكون مفاجئة للكثيرين منا.

ضئيلة هي الفروق هنا بين الرسمي والشعبي، إزاء الانشغال البالغ بالأوضاع الإقليمية في فلسطين والعراق ولبنان وتاليًا تطورات الربيع العربي، القاسم المشترك الوحيد بين هذه الاهتمامات هو تعلقها بشأن خارجي يرتبط في أحسن الأحوال بالأمن الإقليمي للمنطقة، ولا يمت بأدنى صلة بالهموم الداخلية التي يفترض أن تكون هي محور الاهتمام الأول وليس الأخير لدى العامة والخاصة. ان الانشغال بالمهم على حساب الأهم ليس بالأمر المخالف لطبيعة الأشياء فحسب بل هو سير عكس الاتجاه وتجديف ضد التيار.

بات واضحًا انشغال النخب السعودية من رجال دين وكتاب ومثقفين بمطالب الحرية في البلاد العربية أكثر من انشغالها بمسألة الحرية في بلادها. إن مراقبة عجلى لانشغال قطاع غير قليل من الكتاب السعوديين يكشف إلى أي مدى بلغت الازدواجية بالبعض منهم، فهؤلاء في الوقت الذي تجدهم مندفعين إلى أقصى الحدود نحو تأييد مطالب الحرية والتغيير في “بعض” البلاد العربية، تجدهم في المقابل في الصف الآخر المدافع عن الأنظمة المستبدة في مناطق عربية أخرى ! والأنكى من ذلك حين تجدهم يصمتون صمت القبور إزاء مطالب الحرية في بلدهم ! بل الأكثر مرارة حين تجد أحدهم يدبّج المقالات في ضرورة تحقق مطالب الحرية “هناك”، ثم يقفز بقدرة قادر نحو تسويغ الاستبداد وغياب الحرية والديمقراطية “هنا”.
مضحك حد البكاء حينما تجد موقف أحدهم يزايد على مارتن لوثر في مطلب الحرية للآخرين في مكان، في حين لا يقل موقفه عن موقف مفتي الديار إزاء ذات المطالب في بلاده !

ثمة رؤية هنا تقول بأن الإندفاعة الكبيرة لدى بعض الكتاب تجاه مطالب التغيير في البلاد العربية تتوخى في حقيقتها بعث رسائل ضمنية تنطوي على ذات المطالب في الداخل. والحقيقة أن هذا قد يصدُق في حالات قليلة، لكننا نقول أنه وعلاوة على الحالة “البراغماتية” التي تليق بالسياسي ولا تتناسب مع أصحاب الأقلام الحرة، لا يبدو الأمر على هذا النحو بتاتًا، أي أن المسألة لا تنطوي على رسائل ضمنية للداخل ولا هم يحزنون، ولا أدل على ذلك من ممالأة الكثير من تلك الآراء والأقلام للتوجه السياسي الرسمي وإتباع سننه حذو القدة بالقدة حتى لو تطلب الأمر تغيير كوكب القمر إلى زحل، ناهيك عن القضايا السياسية ! إن المرء ليشفق على مواقف بعض هؤلاء الكتاب إزاء ثورات الربيع العربي، فهو داعية ثورة هنا ومطالب بالحوار هناك وناطق باسم التمرد المسلح ثالثة ومدافع عن التدخل العسكري في حالة رابعة ! ولا شيء يفسر ذلك سوى أن الواحد من هؤلاء لا يجيد صنعة أخرى بخلاف العمل كشاعر بلاط “على بند الأجور” !.

يبدو لي أن الانشغال بقضايا الخارج كما لو بلغ حد الأزمة لدى بعض النخب السعودية الدينية والمثقفة على حد سواء. حتى أن الواحد من هؤلاء ومن فرط سكرتهم وتماهيهم مع مطالب الشعوب العربية في الإصلاح السياسي الجذري بات لا يطيق أن “ينكزه” أحد فيعيد تذكيره ولو على نحو الإشارة بأن ما يدعو له ويطالب به “هناك” هو ذاته مفقود “هنا” !! من الواضح أن أمثال هؤلاء باتوا كمن يلعبون المباريات الودية الخاسرة خارج أرضهم وبعيدا عن جمهورهم ! فلا هم أمتعوا الجمهور الآخر على نحو مفيد وملموس ولا هم كسبوا جمهورهم !

قلة هم أولئك السعوديون الذين سخرُّوا أنفسهم واستعدوا لدفع ثمن الإصلاح الداخلي. إن النخب السعودية مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتوجه نحو دعم الإصلاح والتغيير السلمي في ساحتها الداخلية أولا. إن هذه ليست دعوة للانسلاخ عن قضايا الأمة كما قد يفهمها البعض، بقدر ما هي دعوة إلى إيلاء الشأن الداخلي أهمية استثنائية تتجاوز الانشغال بأي قضايا أخرى من خارج الحدود. إن ساحتنا الداخلية اليوم أحوج ما تكون إلى دعم مطالب الإصلاح السياسي وإقرار المشاركة الشعبية عبر برلمان كامل الصلاحيات يأتي عبر الاقتراع الحر، ومجالس محلية منتخبة، ومكافحة الفساد والحد من هدر المال العام، ومسك زمام السلطة المنفلتة لدى بعض الأجهزة والمطلقة لدى الأشخاص. تلك هي القضايا التي ينبغي لنا جميعا الانشغال بتحقيقها على نحو فاعل وحقيقي قبل اندفاعنا وراء مطالب الشعوب الأخرى.

 خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق