نفاق الأمم المتحدة

الكاتب:

9 ديسمبر, 2014 لاتوجد تعليقات

في يوم ٢٩ نوفمبر للعام ١٩٧٧ دعت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة لاختيار هذا اليوم للاحتفال باليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. نفاق الأمم المتحدة يكمن في بجاحة اختيار هذا التاريخ بالذات كيوم دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، لأنه في اليوم ذاته عام ١٩٤٧ أعلنت الجمعية نفسها عن قرار تقسيم فلسطين. ففي ٢٩ من نوفمبر عام ١٩٤٧ صوتت ٣٣ دولة لصالح قرار الجمعية بتقسيم فلسطين  إلى ٣ كيانات جديدة، دولة عربية، ودولة يهودية والقدس التي ستظل تحت الوصاية الدولية، بينما صوتت ١٣ دولة ضد هذا القرار أغلبها دول عربية، وامتنعت ١٠ دول عن التصويت.

فكرة تقسيم فلسطين ظهرت بعد صدور تقريرين عن لجنتين عينتهما الحكومة البريطانية لبحث الوضع الفسطيني بعد الثورة العربية الكبرى التي حدثت خلال الانتداب البريطاني على فلسطين. ولا ضير من التذكير بأن الانتداب البريطاني هو من سهل هجرة اليهود لفلسطين، وهو من أعطى وعدا دون أي وجه حق بمنح فلسطين لليهود كوطن قومي لهم، وهو من قام بحماية وتسليح الجماعات اليهودية الإرهابية ومكنها من تأسيس دعائم احتلالها قبل أن ينهي انتدابه على فلسطين. قبل انتهاء الانتداب اكملت الأمم المتحدة الخطة بإصدارها لقرار الفصل الذي أعطى الدولة اليهودية ٥٥٪ من أرض فلسطين العربية، على أن يبدأ تنفيذ القرار مباشرة بعد انتهاء فترة الانتداب البريطاني عام ١٩٤٨.

 وقد تم تأكيد حق اليهود في تأسيس وطن قومي لهم على أرض فلسطين مرتين، مرة في العام ١٩٢٢ من قبل عصبة الأمم – وهي المنظمة التي كانت تسبق الأمم المتحدة والتي انهارت بعد الحرب العالمية الثانية مما أدى لتأسيس الأمم المتحدة- والمرة الأخرى بعد قرار الأمم المتحدة تقسيم فلسطين. واعترفت الأمم المتحدة بإسرائيل كدولة وقبلت بانضمامها كعضو في الحادي عشر من شهر مايو للعام ١٩٤٩، أي بعد عامين فقط من قرار التقسيم. بينما لم توافق الأمم المتحدة حتى يومنا الحالي على انضمام فلسطين كدولة عضو في الاتحاد. ولم تقبل إلا بمنحها صفة دولة غير عضو، مما يرفع مكانة فلسطين من “كيان” غير عضو، إلى “دولة” غير عضو، في التاسع والعشرين من نوفمبر للعام ٢٠١٢، وهو اليوم الذي حددته كيوم دولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. يتجسد نفاق الأمم  المتحدة في هذه المفارقة مرة أخرى. فعلى الرغم من أن طلب الاعتراف بفلسطين أمام الأمم المتحدة قد تم تقديمه من قبل جامعة الدول العربية عام ٢٠١١ ومن قبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس بشكل رسمي بعد ذلك، إلا أن الواقع الذي يدركه كل من جامعة الدول العربية ورئيس أوسلو و الأمم المتحدة هو أنه لا توجد دولة فلسطينية على أرض الواقع، وأن اعترافهم البائس ليس إلا حبر على ورق. فإسرائيل اليوم تستولي على أكثر من ٨٠٪ من مساحة أرض فلسطين التاريخية، وتستمر في مسلسل مصادرتها للأراضي في الضفة الغربية دون أى محسابة دولية، فقد قررت خلال هذا الشهر مصادرة ٤ الاف دونم، والتي تعد أكبر مصادرة للأراضي الفلسطينية منذ ٣٠ عام. واكتفى العالم بالشجب والندب الذي لم يوقف دولة الاحتلال يوما عن ممارسة عنجهيتها.

كما أن جدار الفصل العنصري الذي قامت إسرائيل ببنائه عام ٢٠٠٢ إبان رئاسة شارون في ظل انتفاضة الأقصى، والذي يبلغ طوله أكثر من ٧٠٠ كلم تمتد عبر الأراضي الفلسطينية، يقسم مدن وقرى الضفة الغربية إلى جزر معزولة عن بعضها مما يعيق حركة الفلسطينيين خلال أراضيهم. هذا من ناحية  جغرافية، أما من ناحية سياسية وقانونية فقد تم تقسيم الضفة الغربية حسب اتفاقية أوسلو لثلاث مناطق المنطقة أ وتبلغ ١٨٪ من مساحة الضفة وتخضع السلطة الأمنية والإدارية للسيطرة الفلسطينية. والمنطقة ب وتبلغ مساحتها ١٨.٣٪ من مساحة الضفة فتقع المسؤلية الإدارية على السلطة الفلسطينية بينما تملك إسرائيل السيطرة التامة على الأمور الأمنية. وأخيرا المنطقة ج والتي تشكل مساحتها ٦١٪ من مساحة الضفة فتقع تحت السيطرة الكاملة لإسرائيل.

وبهذا نرى أن السلطة الفلسطينية، التي يفترض أن تكون سلطة فلسطينية ذات حكم ذاتي على الأراضي الفلسطينية المتبقية في الضفة الغربية وقطاع غزة، لا تملك سلطات حقيقة على أرض الواقع إلا من خلال دولة الاحتلال التي تستمر بالاعتقالات التعسفية وإصدار أوامر الإخلاء والمصادرة والهدم.

فعن أي دولة يتحدثون؟ وأين هي الدولة التي طالب كل من عباس والجامعة العربية بالاعتراف بها؟

إن القبول بحل الدولتين والابتهاج بالاعترافات الدولية بما يسمى حبرا على ورق “دولة فلسطين” هو ما قال عنه أمل دنقل: سيقولون ها أنت تطلب ثأراً يطول، فخذ الآن ما تستطيع.. قليلا من الحق في هذه السنوات القليلة.

لا تصالحوا.. لا تصالحوا.. لا تصالحوا.. ولا تنساقوا خلف دعوات الاعتراف بفلسطين لأنها تساهم بضياع ما تبقي من فلسطين بإيهام العالم أنه يوجد دولة ذات سيادة وأرض وشعب مساوية لإسرائيل بينما الواقع يختلف تماما، فالاحتلال مستمر، والاستعمار مستمر، ومصادرة الأراضي مستمرة وبناء المستوطنات مستمر، والاعتراف بدولة عباس لا يساهم إلا بمنح الاحتلال الغطاء السياسي الذي يحتاجه لاستمراره.

لماذا يجب علينا تقبل حلول وقرارات الأمم المتحدة؟ لماذا يجبر الفلسطينيين على التنازل عن أرضهم وهويتهم من أجل دولة اليهود؟ وأي حق تملك الأمم المتحدة أو غيرها في تقسيم أرضنا وتقديمها  للغير؟ ولماذا يتوقعون منا القبول بفتات ما تبقيه إسرائيل من أرضنا؟ وحتى متى نصمت على نفاق الأمم المتحدة؟

الأمم المتحدة التي تقتل القتيل وتمشي في جنازته. فهذه المنظمة الدولية التي تم تأسيسيها قبل عامين فقط من إعلانها المجحف والجائر بتقسيم فلسطين، هي من خلقت المشكلة. فتغاضيها المستمر عن  جرائم إسرائيل المتكررة ضد الشعب الفلسطيني ومصادرة أراضيه وبناء المستوطنات عليها، بل وحتى تبريرها الدائم لجرائم إسرائيل كما حدث أكثر من مرة عبر تصريحاتها التي نشرتها وكالة الأنروا التابعة لها والتي اتهمت حماس زورا خلال عمليتي الرصاص المصبوب والجرف الصامد بتخزين أسلحة في مدارسها مانحة إسرائيل العذر الذي تحتاجه لقصف المدارس التي تستعمل عادة كملاجيء أثناء الحرب، وتجاهلها المستمر لقضية اللاجئين الفلسطينين، واعترافها بالكيان الصهيوني، وسماحها المطلق للولايات المتحدة باستخدام حق النقض لرفض مرور أي مسودة قرار ضد إسرائيل، يوضح بما لا يدع مجالا للشك انحياز هذه المنظمة الجائر والمطلق للاحتلال. ولهذا أعتبر مثل هذه الاحتفالات والدعوات محض هراء يجب علينا إدراكه وعدم الانجراف خلفه. يجب علينا أن نعي تماما أن هذه المنظمة لا تدعم حقوق الفلسطينين ولا قضيتهم، وأنه علينا كأصحاب حق ومقاومين أن ندرك – كما تقول حنان الهاشمي ببلاغة في مقالها قطاع غزة: حكاية مقاومة- “أن تبني الخطاب الحقوقي الذي يناشد المجتمع الدولي لإدانة جرائم المحتل، لا يصب في خدمة المقاومة، ولن يسهم في التحرير؛ لأن “الشرعية الدولية”، هي التي منحت الشرعية للكيان الصهيوني، وإن دعمت حق الفلسطينيين في أرضهم، فإنها لا تدعم تحرير كامل فلسطين، وإن أقرّت حق اللاجئين بالعودة، فإنها لا تقر عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي تقوم عليها “دولة” إسرائيل الآن، والأهم من كل ذلك، هو أن الشرعية الدولية خاضعة تماماً للهيمنة الأمريكية، وبالتالي؛ فإن التعويل عليها يعني التعويل على الصهاينة ذاتهم”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق