في هجاء الوصاية

الكاتب:

24 سبتمبر, 2014 لاتوجد تعليقات

إلى الواقف في مقدمة المحافل خالطاً في خطابه بين حلاوة النصيحة وعلقم الوصاية، إلى توائم المنابر السيامية، إلى الساجدين لطاغوت المنصب، إلى أصحاب “سلطة” الهاشتاق ومهرطقي الرأي العام، إلى كل من ترك الفئران تقرض في مسلَّماته وهو خاشعٌ في تلاوة تناقضاته على مسامع الجميع، يجبرهم على الطاعة بعد الإنصات، أسألك: كيف خدمت فكري حين أقبلت مَرِحَاً بثوب الوصي المرَقَّع؟.

نشأت في بيئة تغلب عليها عاطفة الأخوة ومبدأ الجسد الواحد الذي خرج منذ زمن عن مفهومه التراحمي ليخدم فكرة التضييق على خيارات الفرد، وأستيقظ فيها على صراخ المشددين على ضرورة الذوبان منذ النفس الأول في قوالب ومسميات عائلية، وتقاليد كلاسيكية، وأعراف اجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان، وأنام على بكاء المنددين بكفر الخارجين على تلك الأعراف والقوالب في البيت والمسجد والمدرسة والعمل وفي كل مكان.

لا شك أني مررت بصفتي ‘أنثى سعودية’ بالكثير من المواقف الصعبة التي أشعرتني بقصوري العقلي وعدم أهليتي لقول لا، مُغلفة بقناع الشفقة تارةً، ومستخدمةً سلاح السلطة الذكورية تارةً أخرى. ولولا إدراكي المسبق لما أنا عليه، لكنت استسلمت مغمضة العينين لمن حاول قيادتي أو تشويش رؤيتي، وتنحيتي عن هدفي وطموحي، بعبارة مبتورة تنسب لحبيبي محمد، تقول بأني ‘ناقصة عقل ودين’.

لا بد للمرأة في مواجهة هذه التضليل باسم الدين أن تعرف ألا علاقة للوصاية المفروضة عليها في السعودية بالإسلام، فالإسلام ضمن حقها بإدارة أموالها، ،وضمن لها الاستقلال بإرادتها وخياراتها وأعمالها وحسابها وثوابها وعقابها. إذن فالإسلام يضمن لها ولاية أمرها، ويمنحها قضاءً عادلاً رحباً تأخذ به حقوقها الزوجية والتعليمية بل و المدنية كاملة بلا أدنى خوف أو ظلم.

لكنني حين أدقق في الأمر أكثر، أكتشف أن الوصاية عليَّ كأنثى هي جزء من آفة الوصاية التي تطال شرائح المجتمع المختلفة بعد تغذيتها من كل جانب، مستخدمةً الدين ومستغلةً كل الأدوات اللازمة لصناعة سلسلة طويلة تقيّد الأيدي والعقول عن أخذ حقوقها، رافضةً مطالبها، ومقفلةً الباب في وجوه معارضيها، وجاحدة أحلامهم بانتخاب رؤسائهم وممثليهم، وتحقيق طموحاتهم، وحصد نتائج غرسهم مستقبلاً، والارتقاء إلى درجات أعلى من الحرية والمساواة والعدالة.

عبارات مثل: افعل ولا تفعل، أنت لا تصلح لشيء بدوني، سر على طريقي، لا تفكر قبل أن اسمح لك، مكانتك أنا من يختارها..إلخ، أنتجت لنا جيلاً منهزماً يؤمن فعلاً بأنه لا يصلح لشيء، ولولا الراعي الأكبر لم يكن شيئاً مذكورا.
ليست السلطة ومؤسساتها وحدها من تقول بهذه العبارات، ولا ترى في الشعب أي مقوم يخوله تحمل مسؤولية قراراته مهما كانت صغيرة، فالنظام الأبوي ينزل من أعلى إلى أسفل بطريقة هرمية، ليصل إلى المنزل والمدرسة ومواقع العمل المختلفة، فالرئيس ينزع بحبه للسلطة أعظم إمكانات مرؤوسيه ويترك مكانها الخوف، وهو لا يقدم الثقة في التعامل معهم، بل ينزع للوصاية عليهم في كل حركة يقومون بها، لأنهم لا يمكن أن يتحملوا المسؤولية بأنفسهم، حتى لو كانت في الأمور الصغيرة.

الوصاية حالة تشل القدرات والإبداعات، وتقوم على كبت الناس، وهي حيلة يستخدمها الأقوى تجاه الأضعف، وحبل يربطه به، ليظل قادراً على التحكم به طوال الوقت، وكلما زادت الوصاية في تفاصيلها، دل ذلك على غياب ثقة الوصي على من يمارس عليه الوصاية، ولنا أن نتخيل حجم فقدان الثقة في ظل الوصاية التي نعايشها في بيئتنا.
بغض النظر عن حقيقة أو زيف قوة هذا القوي، وعدم حاجتنا للتذكير بمن علّم معلمنا درس الوصاية، أخبرني: أنت وصي على من؟ ومن الوصي عليك؟ أليس من الأفضل أن تصبح وصياً على نفسك لا غيرك؟، وتخبر الوصي عليك أن يتوقف عن التوغل فيك أكثر؟، وتتوب عن خطيئة الوصاية؟.

 خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق