لم يعد أمام الشعب الفلسطيني الا خيار المقاومة

الكاتب:

30 يوليو, 2014 لاتوجد تعليقات

لقد أثبتت إسرائيل مراراً وتكراراً من خلال أفعالها على الأرض استيطاناً وحصاراً وحواجز ومن خلال قنابلها التي تمطر بها الفلسطينيين  في ما بقي من مدن وقرى فلسطينية بكل قوة وعنف وجبروت  كلما وجدت لها عذراً أو ذريعة، أنها لا تريد السلام وإنما تريد فرض الاستسلام. إسرائيل حسمت أمرها  في تعاملها مع الفلسطينيين خاصة والعرب عامة باعتماد عقيدة واحدة أساسيه لم تحيد عنها منذ  عهد  المؤسسين الصهاينة ثم التابعين إلى هذا اليوم  إلا وهي  عقيدة القوة المسلحة والردع المتناهي عنفاً وجبروتاً لكي لا يفكر أو يحاول أو يقاوم ويقاتل  الفلسطينيون  من أجل استرجاع  جزء من فلسطين وطناً لهم. الإسرائيليون جميعا صقور وحمائم يعلنون للعالم رغبتهم في السلام لكنه سلام  لهم وأذعان للآخر يكتبونه ويملونه بلغة الحديد والنار بلغة القوة والتدمير.

  حمل أنور السادات راية السلام وأخرج مصر – ذلك الخنجر الملامس لخاصرة إسرائيل – من حسابات إسرائيل الإستراتيجية العسكرية ثم تلتها الأردن وتهافتت بعض الحكومات العربية تباعاً على طريق الاستسلام ظناً منها جميعاً أن أمريكا ستضمها إلى نادي الأصدقاء المقربين وتغدق عليهم المعونات المالية وتغمرها بحبها ورعايتها كما تفعل بإسرائيل. أسقطت هذه الدول العربية مع شديد الأسف أوراقها في أن تكون رقماً في معادلة الحرب والسلام مع إسرائيل وشقت الصف العربي الذي رغم ضعفه كان من الممكن أن يشكل صفاً مفاوضاً مع إسرائيل أو الغرب في تحقيق سلام أفضل من هذه الاتفاقيات الجزئية الأحادية التي أخذت منهم قوة الدولة المواجهة المحاربة  لإسرائيل ولم تعطهم شيئا لأنفسهم أو لقضية فلسطين العربية التي يبدو أنهم باعوها كبند غير معلن في اتفاقيات سلامهم مع إسرائيل.

 هؤلاء الحكام الذين منحوا إسرائيل وضع الصديق وهي التي احتلت وقتلت وطردت الفلسطينيين (الأخوة العرب) من بلادهم أستطيع أن أ فهم فعلهم هذا فهم قد استهانوا بحقوق مواطنيهم من أجل بقائهم حكاماً يعبثون بالمال والبلاد والعباد  فلا عجب أن استهانوا بالحق العربي الفلسطيني وقدموه بضاعة رخيصة لعدو صهيوني حلمه أن تكون له السيادة والريادة على كل المنطقة العربية.

الذي يصعب فهمه هو انسياق القيادة الفلسطينية وراء حلم السلام وهو هدف وحلم نبيل وواقعي ولكن عن أي سلام نتحدث؟

كيف اعتقدت ثم آمنت  القيادة الفلسطينية  أن إسرائيل سوف تتخلى عن حلمها في دولة يهودية تبتلع ما تستطيع ابتلاعه من أرضهم وهي ترى في واقعها أنها الأقوى عسكرياً من كل الدول العربية مجتمعة؟ العقيدة الصهيونية التي أقرها المؤسسون الصهاينة لدولة إسرائيل  لم تبنى على العيش بسلام مع سكان الأرض الفلسطينيين بل على تهجيرهم من الأرض بالإرهاب  والقتل والإبادة وبكل وسيلة تلغي الوجود الفلسطيني والتاريخ الفلسطيني والإرث الحضاري الفلسطيني لتقوم على كل هذا الركام دولة يهودية هي إسرائيل. ولوضع هذه الإستراتيجية وما يتبعها من سياسات موضع التنفيذ أنشئوا جيش الدفاع الإسرائيلي وجهزوه بأحدث أنواع الأسلحة الفتاكة والفضل يعود في ذلك إلى الدعم الأمريكي القائم والمستمر حتى يومنا هذا. هل يعقل وإسرائيل بهذه القوة وبهذه العقيدة العسكرية الهجومية العدائية  أن تتنازل عن جبروتها وتمنح الفلسطينيين الذين لا مقاومة عندهم لكل ما تقوم به إسرائيل ضد وجودهم من خلال محادثات سلمية  دولة يعيشون فيها بحرية وكرامة على جزء من الأرض التي تعتبرها إسرائيل حقاً إلهياً وتاريخياً لها؟  ما الذي سوف يقدمه الفلسطينيون بعدما جردوا أنفسهم من المقاومة  لإسرائيل  وهي ترى أنها سيدة الموقف عسكريا ودولياً؟ السلام؟ إنها تؤمن إيمانا مطلقاً أن السلام مع الفلسطينيين والعرب لا يكون إلا بضرب رؤوسهم بالصواريخ وتكبيدهم الهزيمة تلو الأخرى كلما رفعوا رؤوسهم أو هموا برفعها. تلك كانت عقيدتهم بالأمس وهي كذلك  إلى اليوم .

 لعبت أمريكا دور غسيل الأدمغة ولعب معها الدور ذاته الحكومات الغربية ومعهم أيضاً الحكومات العربية وجمع من  الشعوب العربية وفي مقدمته أصحاب التطبيع ودعاة السلام مع إسرائيل فعميت بصيرة القيادة الفلسطينية واستسلمت للضغوط والوعود الأمريكية والعربية  رغم أن فصائل منها نبهت لخطورة العملية وشككت في نوايا إسرائيل الحقيقية وقد صدقت هذه الفصائل.

لكن الذي يصعب فهمه أكثر هو قبول السلطة الفلسطينية في الاستمرار في لعبة السلام الإسرائيلية بعد أن أصبح واضحاً للعيان عدم جدية وصدق إسرائيل من جهة وعدم قدرة الراعي الأمريكي لعملية السلام الضغط على إسرائيل للوفاء بالتزاماتها التي تعهدت بها في اتفاقية أوسلو وما تلاها من اتفاقيات .

لا أعتقد أن هناك اليوم مجالاً للظن أن إسرائيل حكومة وشعباً تريد السلام الذي ينشده الفلسطينيون على الرغم من أنه سلام من درجة أضعف الإيمان دولة على حدود ١٩٦٧ عاصمتها شيء  من القدس لكنها دولة مستقلة وأهلها أحرار. إسرائيل تريد فرض استسلام على الفلسطينيين مغلف بغطاء السلام تملي فيه إسرائيل شروطها التي تضمن لها في الحاضر والمستقبل أن يكون الكيان الفلسطيني دولة مقيدة بشروط محكمة تجعل منها شبه دولة مفرغة من الكثير من كيان الدولة الحرة المستقلة. هل هذه هي الدولة التي من أجلها كافح  الفلسطينيون لأكثر من ستين عاما قتلوا وشردوا من أجلها؟ لا فلو كان الأمر كذلك لقبلوا بشروط إسرائيل وانصاعوا لرغباتها ولتحقق السلام الذي تريده إسرائيل منذ زمن. حلم الدولة الفلسطينية الحرة المستقلة العربية هدف وآمل لا يزال أحرار فلسطين علي اختلاف توجهاتهم السياسية او الدينية يكافحون ويموتون من أجله كبقية أحرار العالم وها هي  ملحمة غزة اليوم  وما سبقها من الملاحم الفلسطينية منذ عام ١٩٤٨ وما قبله تؤكد إصرار هذا الشعب العربي الأبي علي انتزاع حريته وكرامته  ووطنه المستقل من أنياب المستعمر المحتل الإسرائيلي.

 رسالتي في هذا المقال موجهة وبوضوح إلى الذين يرفضون مبدأ المقاومة من أجل الوصول إلى سلام حقيقي أساسه قيام دولة فلسطينية مستقلة حرة تتمتع بكامل الحقوق وتلتزم بكل الالتزامات الدولية كأي دولة عضو في هيئة الأمم المتحدة. وأقول لهم انضموا إلى ركب المقاومة احملوا سلاح المقاومة بيد وباليد الأخرى غصن السلام. شيئان متلازمان لا ينفصلان عن بعضهما البعض إلى أن يتحقق السلام كاملاً. أن تلغي المقاومة لكي نبدأ الحديث عن السلام  كان هذا خطأكم الفادح، هرولتم للسلام بعد أن ألقيتم السلاح فلم تجدوا سلاماً وتقطعت  بكم السبل وأضعتم القضية. سمعنا قولكم ومشينا معكم سنين طويلة ولم يحصد الفلسطينيون من نهجكم إلا مزيداً من المستوطنات الإسرائيلية ومزيداً من الحصار ومزيدا من القتل. نحن لا نخونكم ففلسطين في أعماقكم وأنتم الأخوة المخلصون لا غبار عليكم، لكنكم أخذتم أكثر من وقتكم وكانت نتائج سياساتكم مع العدو الإسرائيلي كارثية فعليكم أن تترجلوا وتسلموا الراية والقيادة لشباب فلسطين الذين يؤمنون بمبدأ الثوار الأحرار بأن السلام والحرية والاستقلال لا تأتي بالخضوع والخنوع والاستجداء إنما تأتي  بالتضحية والفداء والموت من أجل الحياة الحرة الكريمة للوطن، يقول أمير الشعراء أحمد شوقي  :

وللحرية الحمراء باب      بكل يد مضرجة يدق

كما يقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي  أيضأ:

ومن يتهيب صعود الجبال    يعش أبد الدهر بين الحفر

 المقاومة مشروعة  ضد المستعمر المحتل، بالسلاح وبالحجارة، بالأعلام وبالمسيرات بكل شيء يقلق المحتل الإسرائيلي ويقض مضجعه ويجعله يعيش في حالة من عدم الأمان والاطمئنان  كما هي حال الشعب الفلسطيني اليوم. لكي يحصل الإسرائيليون على الأمن والسلام فلابد أن يحصل عليه الفلسطنيون أيضاً وإلا فلا سلام لنا ولهم .

أصحاب المدرسة الواقعية من بعض الفلسطينيين والعرب الداعين إلى وقف المقاومة لأنها في نظرهم لا تجدي بل تضر أكثر مما تنفع ويرون أن سلاح المقاومة بدائي، مجموعة من الصواريخ معظمها صناعة محلية يقابلها سلاح جوي وصواريخ إسرائيلية متطورة فتاكة, المقاومة في نظرهم عبث وسفك لدماء الأبرياء من الفلسطينيين. أقول لهؤلاء عندما أوقفت السلطة الفلسطينية المقاومة تنفيذاً لشروط البدء في محادثات السلام ومعاهدة السلام  هل تغير حال الفلسطينيين في مدنهم وقراهم من حال كانوا عليها  إلى حال أفضل؟ هل أصبح الفلسطينيون أحراراً في الاتصال والتواصل فيما بينهم ومع العالم الذي حولهم؟ حكومة السلام الفلسطينية هل سمح لها أن تبني اقتصاداً يهيئ للفلسطينيين فرصة عمل وعيش كريم؟ هل رفعت الحواجز ونقاط التفتيش وإهانة الكرامة للعابرين  بين القرى والمدن الفلسطينية؟ هل يستطيع وزراء حكومة فلسطين شريكة الإسرائيليين في عملية السلام الانتقال بين الضفة والقطاع أو بين الداخل والخارج دون إذن وتصريح من السلطات الأمنية الإسرائيلية؟ هل توقف الاستيطان الإسرائيلي وقطع أشجار الزيتون وتدمير القرى والمزارع الفلسطينية؟ هل توقف منع المصلين من الذهاب إلى الأقصى والمسيحيين إلى زيارة كنائسهم؟ هل نفذت إسرائيل المعاهدات التي وقعتها مع السلطة وهل سلمت الأراضي المحددة المعنونة بحروف الأبجدية أ وب  وج  أم أنها استولت على أراضي جديدة؟

  تركتم المقاومة فترككم العالم وتوارت قضيتكم عن الأنظار وعن الصحف ودخلت في خندق النسيان. التاريخ السيئ لمرحلة التخلي عن المقاومة والبحث عن السلام كثير وكثير ولا يحتاج إلى تعديد أو تأكيد.

 بعد عمليات القصف الجوي المدمر على  المدنيين والأطفال الذي راح ضحيته حتى كتابة هذه المقالة  ما يربو على الألف من القتلى  وستة آلاف من الجرحى، عمليات لا يمكن وصفها إلا بأنها تطهير عرقي وجرائم حرب فهل  يعقل أن يصدق أي عربي حر أو يعتقد أن إسرائيل تبحث فعلاً عن سلام يهدف لقيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش بحكم الجغرافيا إلي جانبها؟ إنها لا تبحث عن هذا النوع من السلام  بل تبحث عن استسلام الفلسطينين أو تهجيرهم بالإرهاب والقتل والتدمير.

لابد للمقاومة أن تستمر وتزداد وتتحول الحكومة الفلسطينية إلى حكومة وطنية مكونة من جناحين رئيسيين بقيادة سياسية واحدة لها السيطرة الكاملة على الجناحين بتفويض من المجلس التشريعي الممثل للشعب الفلسطيني. الجناح الأول هو جناح المقاومة المسلحة والجناح الثاني هو جناح محادثات السلام  وتعمل الحكومة الوطنية من الداخل أو من المنفى وتكون العقيدة لهذه الحكومة المقاومة بكل الوسائل المشروعة بالتزامن مع البحث الجاد عن سلام حقيقي يهيئ للشعب الفلسطيني وطناً حراً مستقلاً ينعم فيه بالكرامة. أما ما تفعله إسرائيل لتحقيق أهدافها فهو حكومة تناقش مشروع  استسلام من الفلسطينين وجيش دفاع يقصف ويدمر لإرغام الفلسطينيين على الاستسلام. وهذا ما يجب أن نفعله أيضاً نقاتل بيد ونناقش من أجل سلام حقيقي باليد الأخرى. وإلى كل الانهزاميين والضعفاء نقول أن جميع المناضلين المقاومين الذين حرروا أوطانهم من المستعمرين كانوا هم الأضعف سلاحاً وعتاداً ولكنهم الأقوى إرادة وتصميماً لأنهم أصحاب حق لذلك انتصروا جميعاً.

لقد فعل الرئيس محمود عباس خيراً بتبنيه موقف المقاومة أخيراً وقد يفعل الحكام العرب خيراً بأنفسهم لو أنهم تبنوا موقف المقاومة وشروطها بدلاً من الضغط عليها للاستسلام والتوقف عن إطلاق النار دون التزام حقيقي وسريع برفع الحظر وفتح المعابر والإفراج عن السجناء.

أما مصر العروبة فلم تكن مصر العروبة في هذه المعركة. لا حياد بين شعب عربي يقتل ودولة إسرائيلية مجرمة،  لكن هذه إحدى نتائج التطبيع والسلام مع عدو لا يعترف بالسلام. لقد حقق الرئيس السيسي إنجازاً عربياً وإسلامياً كبيراً عندما فصل الإسلام عن  السياسة بإعادة مصر  إلى مسار الإسلام المستنير. لكنه أخفق وأي اخفاق في الوقوف موقف المحايد بين عدو قاتل وأخ مقتول، كان الأجدى بالرئيس أن يضع خلافه مع الإخوان المسلمين وحماس جانباً وأن يرتقي بسياسته إلى المستوي القومي العربي الذي أوحى للأمة  العربية أنه جزء منها وأن أمن المنطقة العربية من أمن مصر، والأمة العربية يا سيادة الرئيس ليست الخليج العربي بل أن الخليج جزء من كل. لقد أخطأ الرئيس المصري في إبطال فرض من أجل سنة، فأعلى موقفاً سياسياً عابراً وأطاح بموقف مصر الإستراتيجي من القضايا العربية المصيرية وفي مقدمتها قضية فلسطين التي  لا تزال في ضمير ووجدان الشعب العربي. أرجو يا سيادة الرئيس أن تكون كبوة جواد وليست نهجاً جديداً لمصر العروبة.

 خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق