عذراً معالي الوزير ، فخطوط دفاعك لا تحمي الاقتصاد الوطني

الكاتب:

8 يونيو, 2014 3 تعليقات

في الأيام القليلة الماضية ، زار السيد جيم  كيم مدير البنك الدولي للإنشاء  و التعمير ، ومقره واشنطن ، المملكة العربية السعودية ، وعقد مع معالي وزير المالية الدكتور ابراهيم العساف مؤتمراً صحفياً مساء يوم الأحد الموافق 1 يونيو 2014 م ، في قصر المؤتمرات بجدة .

وفي هذا المؤتمر أكد د. ابراهيم العساف ” أن السعودية تتمتع بخطوط دفاع في حال انخفاض أسعار البترول”

وردّ على سؤال ” للاقتصادية” حول ” المدة الزمنية التي تحتاج إليها المملكة العربية السعودية لتجد آثار التنوع الاقتصادي و اعتماد الميزانية الحكومية على القطاع غير النفطي” قال معاليه : ” نرى تأثير ذلك بشكل سنوي من خلال الأرقام المعلنة وزيادة مساهمة القطاع الخاص في هذا النمو ووصل إلى أقل من 60% و هذا يشير إلى تقدم كبير و تنوع في القاعدة الاقتصادية ” .

ماهي خطوط الدفاع التي يتحدث عنها الوزير لمواجهة انخفاض أسعار البترول ؟

خطوط الدفاع لمواجهة سنامي ، انخفاض أسعار البترول كما تعبر عنها تصريحات الوزير هي خطين :

الأول: الاحتياطات الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودية

الثاني: هي مساهمة القطاع الخاص من الناتج المحلي الإجمالي ، التي يقول الوزير أنه وصل إلى أقل من 60% .

سأحاول هنا النظر في مدى قوة هذه الخطوط الدفاعية و قدرتها على إيقاف أو الحد من الآثار السلبية أو المدمرة لانخفاض أسعار البترول، خصوصاً إذا كان الانخفاض كبيراً ، و لمدة طويلة . الآثار المباشرة و غير المباشرة للانخفاض الحاد في أسعار البترول على الاقتصاد الوطني ، ستكون موجعة لأن الإنفاق الحكومي الذي هو العمود الفقري لحركة الاقتصاد السعودي ، قائم في حدود 90% على الإيرادات النفطية التي يعتبر سعر البرميل أحد أعمدتها الرئيسية .

فهل خطوط الدفاع التي يقول وزير المالية أنه معتمد عليها قادرة على حماية الاقتصاد الوطني من الهبوط الحاد ، ومعه دخل المواطنين و ما يحتاجون من خدمات و سلع ؟

فليسمح لي معالي الوزير أن أقول أن خطوط الدفاع كما أراها، هي خطوط  دفاع ، لن تستطيع حماية الاقتصاد الوطني ، إذا هبطت أسعار البترول بشكل حاد و ظلت منخفضة لأمد طويل وها هي حجتي :

أولاً : الأرصدة الأجنبية (استثمارات) مؤسسة النقد العربي السعودية بلغت 681 بليون دولار أمريكي حسب بيانات معهد الصناديق السيادية بواشنطن كما نشرته جريدة الرياض بتاريخ 5 يونيو 2014 م ، أي ما يعادل 2,6 ترليون ريال سعودي .

و السؤال هنا ، هل يكفي هذا الرصيد في الدفاع عن الاقتصاد الوطني من هجوم قوي يحدثه انخفاض قوي في أسعار البترول ؟

الإجابة : نعم سيحمينا خط الدفاع هذا ، من الآثار السلبية لانخفاض أسعار البترول لسنوات معدودة ، ولكن السؤال الأهم ، هل هذه الحماية مؤقتة أو حماية مستديمة قائمة و فاعلة مادام الخطر قائم ؟ و الإجابة هنا ، بكل وضوح ، هي حماية مؤقتة لسنوات ليست كثيرة . ليس المهم هنا عدد السنوات و أنت تحت الحماية المؤقتة ، المهم أن حمايتك مؤقتة وبعدها تزول الحماية و ينكشف الغطاء و تقف تخت الشمس في العراء .

يبدو أن هناك تمازجاً وتقارباً في الرأي بين فكر معالي الوزير ، وبين نصائح و إرشادات صندوق النقد الدولي ، فقد ورد على لسان السيد تيم كالفين رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في السعودية ، كما أوردته ” الاقتصادية” بتاريخ 22 مايو 2014 م قوله : “بالفعل توفر الاحتياطات الوقائية المالية الكبيرة التي ادخرتها الحكومة على مدى العقد الماضي ، حماية كبيرة للاقتصاد في حالة مواجهة صدمة سلبية مثل هبوط أسعار النفط و ينبغي الحفاظ عليها”  .

هل ما يحتاجه الاقتصاد السعودي ، هو حماية مؤقتة لمواجهة الصدمات السلبية ؟ أم يحتاج أن يكون في بنيته الأساسية و إنتاجيته القطاعية و الفردية ، ما يؤمن له تنمية و إيرادات مستدامة ، قوية البنيان ، توفر حماية حقيقية لمستقبل الاقتصاد الوطني و المواطنين .  أي اقتصاد وطني معرض للصعود و الهبوط ، ضمن حدود مقبولة ، لكن الحماية الحقيقية له من الصدمات القوية لن تكون إلا بتنويع القاعدة الإنتاجية و زيادتها . أما اقتصادنا الوطني فالقاعدة الأساسية أو الكبرى التي تدر إيراداً يمول الإنفاق الحكومي ، ويدير عجلة الاقتصاد و الدخل الوطني و الفردي، هو البترول ، و البترول مصاب بداء عضال ذو شقين :

1-    أنه مصدر ناضب اليوم أو غداً ( أعلن رئيس الوزراء الجزائري الجديد قبل عدة أيام ، أن بلاده لن يكون لديها نفط تعتمد عليه بعد العام 2030م ، أي بعد 16 عام ، وقد كانت الجزائر في يوم من الأيام من كبار المصدرين للنفط الخام ) .

2-    إن سعر البترول ، يعتمد كلياً ، على الطلب العالمي ، وجميع دول العالم الصناعي أو التي على طريق النمو تعمل بكل جهد وجد على الحد من استهلاك النفط و البحث عن بديل محلي .

أمام هذا الخطر المستقبلي الكبير ، مادام اعتمادنا على النفط كبير ، هل يجوز أن نوكل مستقبل الأمة ، على خط دفاع من 681 بليون دولار، ونحن نعلم أنها يمكن أن تتلاشى في بضع سنوات؟

ثانياً : فيما يخص تنويع مصادر الدخل التي أشار إليها معالي الوزير و التي أوجزها في مشاركة القطاع الخاص و التي قال أنها أقل من 60% ، فإنني أقول لمعاليه ، إن القطاع الخاص و كما سبق أن قلت ، إن هو إلا في مراحله الحالية ، إلا رضيع يتغذى من ثدي أمه ( القطاع الحكومي ) حليباً على هيئة مشاريع حكومية ، يعيش عليها. القطاع الخاص يعتمد بشكل رئيسي في إنتاجه و حركته على الإنفاق الحكومي ، و الإنفاق الحكومي يمول بشكل أساسي من إيرادات الدولة البترولية ، وهكذا تدور الدائرة و تنتهي عند الإيرادات البترولية .

إذن يا معالي الوزير ، خطوط دفاعك لحماية الاقتصاد الوطني ضعيفة مؤقتة غير مستدامة . أما خطر انخفاض أسعار البترول وقدرتنا على التصدير  فهو كبير وواقع لا محالة إن عاجلاً أم آجلاً . فهلا أعدت النظر في الموضوع و استشعرت الخطر الذي يمكن أن يحل بهذه الأمة في القادم من أيامها و إن كانت بعيدة بعض الشيء .

الاقتصاد الوطني يا معالي الوزير يحتاج إلى هيكلة جذرية و كلية ، تعيدنا إلى الاتجاه الصحيح ، تأخذنا من الاستهلاك إلى الإنتاج ، ومن الإسراف إلى الادخار ، ومن البطالة إلى العمل ومن الاعتماد على النفط إلى الاعتماد على رأس المال الوطني المنتج البشري وغير البشري .

يا معالي الوزير إما الإصــلاح و إما الطوفان .أما خطوط دفاعك ، فإنها لا تحمي الوطن و الأجيال القادمة من الغرق لا قدر الله .

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

3 تعليقات إلى “عذراً معالي الوزير ، فخطوط دفاعك لا تحمي الاقتصاد الوطني”