تويتر والإصلاح في السعودية

الكاتب:

26 سبتمبر, 2011 لاتوجد تعليقات

بين حقبة نهاية التسعينات وحقبة عشر سنوات بعد أحداث 11 سبتمبر بون شاسع يلحظه المتفاعل مع الساحة المحلية أو المتابع لها، يعبر عنها البعض بأنه في زمن مع نهاية الثمانينات وأواسط التسعينات كانت تطبع الآلاف من الكتب وتوزع بالمجان من أجل قضية من فروع ومستحبات الصلاة، ويُحدِث حينها التيار الإسلامي أهمية لهذه القضية بين الناس. وبعد هذه السنين سنجد أن مثل هذه القضايا لا تشكل شيئا من اهتمامات الناس الثقافية على العكس من اهتماماتهم بالحديث حول قضايا الحقوق والفساد في مجالسهم. وسنجد أنه بعد أن كان الإسلاميون يتناقشون في قضايا فقهية فرعية خلافية، يتناقشون في السنوات الأخيرة حول الديمقراطية والحرية والمجتمع المدني.

منذ دخول الإنترنت إلى السعودية والأوضاع تعيش حراكا سريعا وشديدا يرتفع في فترات ويفتر شيئا ما في فترات أخرى، بدأت مرحلة المنتديات والساحات الحوارية والشبكات الثقافية وكانت مرحلة استحقت التسجيل التاريخي وقراءتها بما لها وما عليها من قبل عدد من الكتاب بما فيهم الكتاب الذي يدون مرحلة ثلاثين سنة من تاريخ السعودية “السعودية سيرة دولة ومجتمع”.

كان الحراك الفكري والثقافي هو المشهد الأبرز في الساحات الحوارية، وأما خطاب الإصلاح السياسي فقد بقي قدره أقل مما هو متوقع، ففي نهاية التسعينات والمشايخ يقبعون في السجون حتمت الظروف أن ينشأ وينتشر في الواقع المحلي التيار المتطرف الذي خلّف أعمال العنف في البلاد، وقد كانت لهذه الحقبة أشد التأثير على المستوى الفكري في السعودية.

شهدت السنوات الأخيرة تصاعدا ملحوظا في وتيرة الخطاب الإصلاحي في السعودية، وهي المسيرة التي لم تبدأ مع جيل الشباب الحالي، بل طريق طويل ابتدأ منذ عقود وفتر بعض أصحابه وانطفأ بعضهم وتغير مسار بعض آخر، إلا أنه بقيت نواة صلبة للمطالب الإصلاحية لم تفتر وسخرت نفسها من أجل هذه القضية.

تأثر بهذه النخبة الإصلاحية مجموعة من الشباب تميزت غالبا بحديثها بلغة تستقطب الفئة المشابهة لها، وشكلوا لاحقا نواة تتواصل مع الجمهور حول القضايا الإصلاحية، وكانت أبرز وأول الأطياف التي عرّفت نفسها في فيسبوك، وقد كانت قبل مرحلة فيسبوك مرحلة المدونات السعودية وهي التجربة التي بدأت بقوة ثم خفتت سريعا مع مواقع التواصل الاجتماعي. كانت الأسماء النشطة في فيسبوك تقود حملات من أجل قضايا المعتقلين الإصلاحيين بشكل خاص، وتبث رسائل أخرى حول الإصلاح السياسي والوعي الحقوقي وقضايا الفساد الإداري والظلم الواقع من الجهات الأمنية. هذه الفئة الشبابية لفتت انتباه جماهير جديدة إلى فيسبوك، ولفتت انتباه نخب كانت لا تتفاعل كثيرا مع واقع الناس بشكل علني، وجلبت العديد من مرتادي الساحات الحوارية، وجلبت عدد من الكتاب والنخب المثقفة والنخب الإصلاحية. تحولت عندها النخب الإصلاحية من استضافة واستقبال الناس في المجالس الخاصة، إلى النزول إليهم والحديث معهم والتفاعل مع اعتراضاتهم واستيعاب وجهات نظرهم. شكل دخول نخب جديدة زخما أكبر بكثير من المرحلة الأولى في الشبكات الاجتماعية، تشكلت حينها حملات أخرى من أجل التفاعل مع القضايا الإصلاحية وخصوصا قضايا الفساد بعد كارثتي جدة والرياض.

كان التفاعل في تويتر ليس مثله في فيسبوك بين النخب، واستمر تويتر ساخنا في أوقات الأحداث بالأخبار والتعليقات، بينما لا يسع للنقاشات الطويلة، وذلك لطبيعة الموقع في حصر النشر على 140 حرفا فقط، وهذا ساعد على أن تكون الأزمات أكثر تفاعلا في تويتر منها في فيسبوك. ففي أثناء الكوارث التي شهدتها جدة والرياض، كانت الأخبار والصور تنتشر عبر تويتر بشكل سريع جدا لطبيعة النشر في الموقع، بينما فيسبوك يحد من انتشار المعلومة.

تشكل أثناء الكوارث التي حدثت ظاهرة جديدة لم تكن مسبوقة في الشبكات الاجتماعية على مستوى الأحداث الساخنة، وهي الانتقال من هذه المواقع إلى العمل الميداني المباشر، فخرجت فرق تطوعية من أجل مساعدة المتضررين من السيول وبعض الفرق سافرت من الرياض إلى جدة للمساعدة والاشتراك مع الفرق التطوعية هناك أثناء الأزمة. يمثل هذه الفعل أمرا غير مسبوق في أن تكون هذه الشبكات الاجتماعية مكان لتنسيق العمل الجماعي الفوري للتفاعل مع الأحداث أولا بأول. وبالطبع سرعان ما تم احتواء هذه الظاهرة عبر إدخالها تحت المظلة الرسمية ومن ثم التعقيدات البيروقراطية المعروفة حتى لا تكون خارج السيطرة.

مع انطلاق الثورات العربية كان تويتر وفيسبوك في السعودية شهدا عدة قضايا تم تصعيد الخطاب فيها حقوقيا وسياسيا، قضايا حقوقية سياسية كالمعتقلين بدون محاكمات والمعتقلين الإصلاحيين وقضايا إنسانية بحتة تتمثل في بعض النساء المعتقلات، وشهد حملات من أجل مكافحة الفساد، وشهد حوارات ونقاشات حول الديمقراطية والحرية وغيرها من المفاهيم المتعقلة بالإصلاح السياسي. وقد كانت الثورات عاملا مهما في دخول عشرات الآلاف من السعوديين إلى تويتر، وإلى متابعة الحداث أولا بأول، وبالفعل أصبح تويتر هو الموقع الأول بين الشبكات الاجتماعية تفاعلا في قضايا المجتمع والدولة.

ظروف السعودية في انحدار مستوى الحريات على كافة الأصعدة، واحتكار المنابر الإعلامية من قبل الحكومة والموالين لها، بحيث أصبح لا وجود لمنبر يمكن من خلاله قياس ثقافة المجتمع ورضاه عن الأوضاع الداخلية فضلا عن سماع رأي آخر غير رسمي. مع تويتر الأمر بدى جليا للمتابع أنه منبر حر يكتب فيه الأعضاء بأسماء الصريحة وصورهم الشخصية، وهذا ما لم يكن عليه الأمر مع الساحات الحوارية التي كان الناقد فيها يكتب خلف أسماء مستعارة عديدة ويحتاط كثيرا قبل أن يكتب شيئا يضره في تقييد ما بقي من حريته. تشكلت في تويتر العشرات من بين مئات الأوسمة “هاشتاق” خاصة بالأوضاع السياسية والحقوقية السعودية، بينت أن “المغرد السعودي” يكاد يكون ساخطا وساخرا من كل شيء في بلده، ظهرت الكتابات لا تتورع عن نقد أحد أو السخرية منه، سواء كان سياسيا أو عالم دين أو وزيرا أو مسؤولا أو شخصا مشهورا، وهو ما يعبر عن شريحة من المجتمع لم يكن لها منبرا تعبر من خلاله عن رأيها في القضايا المحلية.

علت طموحات الناس بعد أحداث الثورات، وانعكست على جملة من المطالب التي يجب تحقيقها على أرض الواقع في السعودية، وخرجت بيانات وُقعت من مختلف النخب أشهرها البيان الذي وقع عليه أكثر من 10 آلاف مواطن ومواطنة في السعودية واسمه “نحو دولة الحقوق والمؤسسات”. كل هذه البيانات تتفق بالمجمل على إيجاد حياة برلمانية في السعودية قائمة على الانتخاب المباشر للأعضاء وصلاحية المجلس في الرقابة على الحكومة، وما يتعلق بكل ذلك من حرية وعدالة ومكافحة للفساد والتقليص من سلطات الجهات التنفيذية والفصل بين السلطات واستقلالها.. إلخ. كانت القضية الأبرز التي حازت على اهتمام ملحوظ وهي القضية التي لم يغلق ملفها حتى اللحظة هي قضية المعتقلين السياسيين، والذين تقدر أعدادهم بأكثر من خمسة عشر ألف معتقل، وتشكلت الحملات المتتابعة من أجل إبراز مظلومية هؤلاء المعتقلين سواء كانوا سجنوا في قضايا إصلاح سياسي مباشر أو بقضايا مشتبه باتصالها بالإرهاب، وانفتح هذا الملف عن معاناة إنسانية لأسر المعتقلين كشفت عن جانب مؤلم تتسبب به الجهات الأمنية أولا وآخرا. وكان التفاعل مع قضايا المعتقلين على عدة مستويات أولها مقاطع الفيديو المنتجة مثل فلم “سعوديون غائبون” والمقاطع اللاحقة لشخصيات تحدثت عن الموضوع أبرزهم الدكتور يوسف الأحمد الذي اعتقل على خلفية هذه التسجيلات. والمستوى الثاني كان التفاعل المستمر مع قضايا المعتقلين عبر تويتر وفيسبوك، وهنا ظهر التفاعل بين الشبكات الاجتماعية “تويتر خصوصا”  والأحداث الساخنة من جديد، حيث تم تسجيل ونقل أحداث تجمع أهالي المعتقلين أمام وزارة الداخلية من أجل مقابلة المسؤول في اليوم المحدد له على سياسة الباب المفتوح، والتي على إثرها اعتقل العشرات من الرجال والنساء، مع ممارسات طالت ضرب النساء وإهانتهن قبل يفرج عنهم، ولا يزال الدكتور مبارك بن زعير والحقوقي محمد البجادي والدكتور يوسف الأحمد في غياهب السجن على إثر هذه القضية.

كانت الممارسات الأمنية لا تنقل للمتابع أولا بأول ولا يتم التفاعل معها إلا عبر قصص يتم تداولها في المجالس الخاصة، وبعد تويتر أصبح الخبر ينقل بسرعة ويتحمل ناقله مسؤولية نقله فهو يكتب باسمه الصريح وصورته الشخصية، وعندها بدأت ظاهرة جديدة في تويتر أطلق عليها “المغردون” اسم “البيض السعودي” وهم أعضاء جدد سرعان ما انتشروا في التعليق على الأسماء المتفاعلة مع الأحداث بالسب والسخرية والتخوين، وكله باسم الدفاع عن القادة وولاة الأمر والبلاد. ومما يستحق التسجيل ما قاله البعض في تويتر أن هذه الأسماء تكتب بأسماء مستعارة وهي تدافع عن الحكومة، بينما كل مغرد يتنقد الحكومة يكتب باسمه الصريح وصورته الشخصية الخاصة.

ازدادت وتيرة النقد يوما بعد يوم وظهرت أوسمة مثل “ملعوب علينا، وطال عمرك، ومباحث، ولا تصدق” وغيرها، والتي تتناول قضايا محلية بسخرية ونقد حاد طالت حتى الأمراء. وخلال الفترة الماضية يتذكر متابع تويتر ردات الفعل على كلام الأمير عبد الرحمن بن مساعد حول الأمراء الذي يسكنون في بيوت مستأجرة، وردات الفعل على الأمير نواف بن فيصل بعد هزيمة المنتخب السعودي مؤخرا.

ليست وظيفة المقال الحصر والدراسة المتفحصة لحالة تويتر في السعودية، وإنما محاولة تسجيل الصورة التي يراها كاتب المقال في تويتر. وهذه الظاهرة هي لا محال لها أمد معين، فموقع تويتر هو منبر تعبير لا يختلف عن غيره في كونه وسيلة لنقل المعلومة، والسؤال الذي يطرحه بعض المراقبين هو ما مآل هذه التجربة في النهاية؟ هل سيكون مآل هذه التجربة أن يكسبها الطرف الحكومي كما كسب تجارب سابقة على مدى عقود؟ أم ستبلور التجربة تفاعلات جديدة لم تكن مسبوقة في التجارب الإصلاحية. يجد بعض هؤلاء المراقبين أهمية الرصد والدراسات المتعقلة بقضايا البلد، وهو ما فقدته تقريبا كل التجارب الإصلاحية السابقة. فإذا كان تويتر مكان التفاعل ونقل الخبر والمعلومة وحشد الأنظار، فإن أهمية الدراسات والكتابات الرصينة يجب أن تكون مرجعا لكل هذه التفاعلات والنقاشات. وكم نأمل أن يوفر موقع المقال بيئة ونواة جديدة لمثل هذا الطموح.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق