اقتصاديات توسعة الحرمين الشريفين

الكاتب:

4 أبريل, 2014 لاتوجد تعليقات

توسعة الحرمين الشريفين في السنوات القليلة الماضية وتلك التي تحت الدراسة بلغ إجمالي ما أنفق عليها حتى تاريخ 9 رمضان 1434هـ (128 بليون ريال سعودي) نقلاً عن تصريح للدكتور عيسى راوس وكيل وزارة الحج والعمرة (جريدة الرياض 9 رمضان 1434هـ الموافق 18 يوليو 2013 م) وهذا رقم كبير جداً. السؤال الذي أريد مناقشته في هذا المقال هو: هل أخضعت هذه الأموال الطائلة من الريالات التي أنفقت في توسعة الحرمين الشريفين للمعايير الاقتصادية؟ ومعنى أخضعت للمعايير الاقتصادية أو ما يسمى في علوم الهندسة المعمارية VALUE ENGINEERING، هو اختيار التصاميم الهندسية ومعها المواد والآلات اللازمة للبناء من مواد جيدة تخدم الغرض الأساسي من المشروع دون إسراف أو زيادة في التكلفة لتحقيق أغراض تتعلق بالضخامة وإبهار الآخرين. وبذلك يكون المشروع قد خضع للضوابط والمعايير الهندسية والاقتصادية.

وهنا يقفز سؤال هام : ما هو الهدف الأساسي من توسعة الحرمين الشريفين؟

والإجابة السهلة والمباشرة هي: تهيئة متسع من المكان الملائم للحجاج والمعتمرين من أجل أداء شعيرتهم الدينية الحج والعمرة بيسر وخشوع مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفقه الإسلامي لا يشجع على البذخ والتفاخر والزخرفة في بناء المساجد، لكي لا تصبح زينة المساجد هدفاً في حد ذاتها، فتأخذ من المصلي شيئاً من خشوعه وروحانيته. وفي هذا الخصوص ” ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يكره زخرفة المسجد بذهب أو فضة أو نقش أو صبغ أو كتابة أو غير ذلك مما يلهي المصلي عن صلاته لما أخرجه ابن حيان في صحيحه وأبو داوود و ابن ماجة في سننهما”

إذن نحن أمام شرطين أحدهما فقهي والآخر اقتصادي يدعوان ويحضان علي عدم الإسراف من حيث المظهر والمخبر في بناء المساجد. الأموال التي صرفت وتصرف الآن على توسعة الحرمين الشريفين، هي من الأموال العامة، أي من خزينة الدولة, وهذه الأموال العامة هي ملك للأمة، ويجب أن تصرف لخدمة مصالح الأمة حاضراً ومستقبلاً. المملكة العربية السعودية شرفها الله برعاية وخدمة الحرمين الشريفين والحجاج والمعتمرين، لكن ذلك لايعني على الإطلاق أن تصرف أموال الأمة على (1) توسعة الحرمين الشريفين توسعة كبيرة جداً  تتطلب إخلاء مبان ومساكن كثيرة من أهلها ثم تعويضهم عنه بمئات أو آلاف الملايين (2) وعلى مواد بمواصفات ذات تكلفة عالية جداً يمكن إبدالها بمواد ومعدات أخرى تؤدي الغرض لكن بتكلفة أقل.

فبالنسبة لحجم التوسعة يبرز السؤل: ما هو الحجم الأمثل للتوسعة؟ هل حجم التوسعة مرتبط بعدد المسلمين في العالم ورغبة نسبة منهم في الحج و العمرة مرة أو مرات؟

أولا: الحج لم يفرض علي كل مسلم ومسلمة بالمطلق وإنما فرض الحج لمن استطاع إليه سبيلاً. يقول جل وعلا في محكم كتابه: ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) سورة آل عمران الآية 79. والاستطاعة كما وردت في الكثير من الأحاديث المنقولة عن النبي صلي الله عليه وسلم هي ” الزاد والراحلة ” وأورد المفسرون والفقهاء شرحاً للاستطاعة وذكروا منها القدرة المالية وصحة البدن وتوفر وسائل الحياة الضرورية كالماء والأمن وغيرها. هذا من حيث الوجوب أما من حيث عدد المرات فقد سُئل رسول الله هل الحج كل عام فلم يجب وعندما كرر عليه السؤل قال “لا ولو قلت نعم لوجبت ” ( تفسير ابن كثير).

المسلمون في جميع بقاع العالم تزداد أعدادهم والحمد لله في كل دقيقة إما بالولادة أو بدخول أعداد من غير المسلمين الإسلام, فإذا فتح باب الحج بدون قيد وشرط فلن تكفي كل مكة والمدينة لاستيعاب الأعداد المتزايدة من المسلمين. إذن فإنه لابد من أن تكون القيود والشروط الموضوعة لضبط أعداد الحجاج المسموح لهم سنوياً بأداء فريضة الحج أكثر فعالية وملاءمة للحجم المتاح من المكان والمال العام المتاح للصرف على الخدمات العامة للحجاج.

شرط الاستطاعة المالية للحاج من وجهة نظري تشمل قدرة الحاج المالية علي دفع تكاليف أكله وشربه وسكنه وما يستهلكه من ماء وكهرباء وتكاليف الطرق والمواصلات وخدمات الأمن والرعاية الصحية وكل ما يتطلبه الأمر لإتمام فريضة الحج. وإذا لم يكن الحاج قادراً مالياً علي دفع تكلفة كل هذه الخدمات المتعلقة بالحج فإن شرط الاستطاعة المالية لا يتحقق ويقع الأمر علي كاهل المالية العامة للأمة كما هو حادث اليوم. هذا موضوع آخر وتكاليف أخري ليست ضمن تكاليف توسعة الحرمين الشريفين التي نتحدث عنها لكنها أموال تصرف علي الحج من الأموال العامة للأمة, والأمة بها الفقير والمحتاج والمريض ومن ليس له سكن أو مدرسه وهذه قضايا مكلف بها الحاكم والمسئول عن رعاية الأمة وتأمين حاجاتها الأساسية, وفي رأيي أن هذا باب يسبق في الأولوية أبواب الإنفاق علي توسعة الحرمين الشريفين أو الخدمات المتعلقة بالحج والعمرة.

أعود مرة أخرى إلي موضوع التوسعة وأقول إن علي صاحب القرار أن يسعى لتحقيق  الحد الأمثل للتوسعة الذي يتمشي مع العوامل الطبوغرافية المتعلقة بموقع الحرمين الشريفين من جهة وما يمكن تخصيصه من المال العام للأمة من جهة أخرى. فكلا العاملين الأساسيين, الأرض والمال محدودان: الأول بحكم الطبوغرافيا والثاني بحكم محدودية المال العام للأمة الذي يمكن أن ينفق علي مشروع واحد حتى ولو كان ذلك يتعلق بتوسعة الحرمين الشريفين.

 أما بالنسبة لطبيعة المخططات الهندسة للمشروع والمواد الإنشائية أو الكهربائية أو غيرها  فهذا مجال لا استطيع الحديث عنه إلا بالقول كما أسلفت أنه لابد من تطبيق معايير التقييم الاقتصادية لمنع الإسراف والتبذير باستخدام مخططات أو مواد ترفع من تكلفة المشروع  من أجل الفخامة والتباهي. وهذا مطلب أصبح معتمداً في كل المشاريع المحلية والعالمية وأصبح فرعاً من فروع كليات الهندسة المعمارية. كما أن نظام المشتريات الحكومية حسب ما اعتقد يتطلب إخضاع المشاريع العمرانية للفحص الاقتصادي أي  VALUE ENGINEER

الأموال التي تنفقها الدولة بسخاء على توسعة الحرمين الشريفين هي كما أسلفت من الأموال العامة، والتي من المفترض أن تخضع من حيث الاعتماد للقواعد المنظمة لإعداد الميزانية العامة للدولة ومن حيث الإنفاق للقواعد المنظمة للمشتريات الحكومية.  لكنني اعتقد أن شيئاً من ذلك لم يحدث وهذا الاعتقاد وارد في ظل غياب المعلومات والتفاصيل عن بنود الميزانية وأبوابها من وزارة المالية التي يبدو أنها لا ترى أن من حق المواطن والمتابع للشأن العام أن يسأل ويتابع أوجه الإنفاق, كما يبدو أن وزارة المالية  أيضاً لا ترى أن الأموال التي تأمر باعتمادها أو إنفاقها  هي أموال الأمة وأن كل مواطن له الحق أن يسال ويعلم أين وكيف صرفت الأموال العامة.

  اعتقد  أن بعض الأموال العامة تعتمد وتنفق خارج قواعد الميزانية وخارج نظام المشتريات الحكومية مما يعني أيضا أنها خارج دائرة المراجعة والتدقيق من قبل ديوان المراقبة العامة.  وزارة المالية لديها الخبر الأكيد وهي المعنية بالإجابة على هذه الاعتقادات والظنون والتساؤلات وغيرها المتعلقة بإنفاق الأموال العامة والمحافظة عليها وتصحيحها. أيضا كم كنت أتمنى أن أطلب من مجلس الشورى إيضاحاً عن حجم الأموال المنفقة على توسعة الحرمين الشريفين  وكيفية إنفاقها، ولكنه يبدو لي أن مجلس الشورى خارج المعادلة وفاقد الصلاحية فيما يتعلق باعتماد الميزانية العامة للدولة ومراجعة أوجه الصرف الحكومي  وأسلوبه, وكما قيل فاقد الشيء لا يعطيه. وأيضاً لا أظنني سوف أجد مطلبي لدى نزاهة حيث يبدو أن مثل هذه المشاريع العملاقة ذات الطبيعة الخاصة هي خارج سلطتها أو قدرتها رغم أنني كنت اعتقد كما تردد وقت إنشائها أن ” كائن من كان وفي أي مكان كان هو خاضع لمساءلتها”.

و لكي لا يظن البعض أن حديثي عن ضبط الإنفاق العام وترشيده مقتصرعلى توسعة الحرمين الشريفين وما يعنيه ذلك بالنسبة لمكة المكرمة والمدينة المنورة، فقد سبق لي أن قلت مرات عديدة ولا أزال أقول حتى اليوم أن الهدر المالي في الإنفاق الحكومي موجود وملاحظ في مشاريع عديدة وفي مناطق مختلفة في المملكة. لكن ما يتعلق بموضوع توسعة الحرمين الشريفين له طابع فيه شيء من الخصوصية سواء من حيث اعتماد المبالغ وحجمها أو من حيث حصر التنفيذ على شركات محددة، وفي كلا الأمرين خروج على قواعد الميزانية، وعلى قواعد المنافسة في العطاءات كما ينص عليها نظام المشتريات الحكومية.

دعوني الآن أنتقل من الحاضر إلى المستقبل وأسأل: متى سيتوقف هذا التوسع والتمدد في بناء الحرمين الشريفين والمرافق التابعة لهما، ومعه إنفاق المال العام الذي هو ملك وحق لجميع المواطنين من هذا الجيل والأجيال القادمة؟

هل هناك حد أمثل تقف عنده ولفترات طويلة توسعة الحرمين الشريفين والصرف بشكل كبير علي الحج وخدماته؟ أم أن توسعة الحرمين الشريفين باب مفتوح على مصراعيه علي الأموال العامة؟

وهناك سؤال آخر يتعلق بأعمال الصيانة والمحافظة على ما بني وأنجز: من سيقوم بالإنفاق عليها؟ وهل سيكون ذلك أيضاً من ميزانية الدولة والأموال العامة؟

إن الدولة إلى جانب واجبها رعاية وحماية حجاج بيت الله والمعتمرين، فإن واجبها الأساسي هو حماية ورعاية مواطنيها من الفقر والجهل والمرض في جميع مناطق المملكة ومدنها وقراها. لذا فإنني أقترح أن يكتفى في مجال توسعة الحرمين الشريفين بما تم واعتمد، وأن يوضع تنظيم للإنفاق على أعمال الصيانة والترميم والتطوير لما هو قائم الآن من خلال صندوق عام يشرف عليه المجلس البلدي في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة يمول من:

1-   ضريبة على الأرباح تفرض على ملاك العقارات والفنادق داخل حدود الحرمين الشريفين فهم المستفيدون من زيادة أعداد الحجاج والمعتمرين.

2-   رسم يفرض على كل حاج أو معتمر من السعوديين وغير السعوديين يخصص لأعمال صيانة المسجد والمرافق التابعة له.

3-    أي وقف يوقف لهذا الغرض، أو هبات تمنح لهذا الصندوق.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق