الجهاد في سوريا:تحريض الخطاب السلفي

الكاتب:

22 فبراير, 2014 لاتوجد تعليقات

أثارت حلقات داود الشريان في برنامجه الثامنة عن الجهاد في سوريا زوبعة من الجدل في المشهد الثقافي السعودي، وقد كانت تفوح من الحلقة رائحة التقارير الأمنية أكثر من اشتمالها على مناقشة فكرية للخطاب السلفي السعودي ودوره في تحريض الشباب على الجهاد في سوريا.

بدأت الحلقة تثير تساؤلات من قبيل هل للعلماء فتاوى خاصة بالذهاب لسوريا ونحوه, وهي أسئلة من الأولى أن يطرحها محقق أمني لا مقدم برنامج، بالإضافة إلى اللعب على عواطف الجمهور بشكل شعبوي فج ورخيص واستهداف مجموعة من الدعاة في محاولة لتصفية حسابات تيّارية وشخصية معهم. لم يكن النقاش حول الخطاب وطبيعته بقدر ما كان محاولة للنيل من أشخاص بعينهم والتحريض الأمني والسياسي عليهم.

 لكن نقد الشريان وطريقته لا تعني تبرئة الخطاب السلفي من مسؤولية التحريض على “الجهاد” في سوريا، وهنا لابد من الانتقال إلى الحديث في صلب مسألة التحريض هذه بدلاً من الدخول في معمعة الصراعات الشخصية التي أشعلها الشريان، فالخطاب السلفي مسؤول بشكل مباشر عن تحريض الشباب على الذهاب للجهاد في سوريا، وحتى إن ادعى العلماء أنهم لا يحرضون على ذلك مباشرة, فإن جوهر الخطاب السلفي وتعاطيه مع المشهد السوري يؤديان بالضرورة إلى هذه النتيجة.

فلنؤكد بدايةً أن ذهاب شباب سعوديين للقتال في بلد عربي آخر للدفاع عن قضية ليس أمراً سيئاً بالضرورة. الحديث هو عن دفاعهم عن قضية “عادلة” وعن مدى خدمة ذهابهم للقتال لهذه القضية. التيار السلفي في السعودية والخليج تبنى سردية معينة للثورة السورية، وهذه السردية تقوم على الدافع العقدي والطائفي للثورة السورية، وهذه السردية هي المسؤولة عن ذهاب الشباب السعودي للقتال في سوريا.

بدل أن تكون الثورة ثورة شعب مظلوم لتحقيق العدالة ومحاسبة المستبدين, أصبحت الثورة في الوعي السلفي هي ثورة طائفة سنية مظلومة ضد طائفة علوية مستبدة. لقد تم ترويج الخطاب الطائفي العفن بشكل مرعب في الثورة السورية، وكان الدافع الطائفي للوقوف مع الثورة السورية جلياً في خطاب السلفيين الحركيين، فالشيخ ناصر العمر مثلاً يقول بوضوح : “ما يجري في سوريا حرب عقدية”، و بحسب شبكة المسلم فإن الشيخ ناصر العمر ” أشار إلى ما ورد في مقال كتبه أحد الكتاب المحسوبين من أهل الخير بعنوان “سذاجة التحليل العقدي” (يقصد مقالاً للدكتور محمد الأحمري) قبل فترة طويلة, لافتاً إلى أن التفكير بهذه الطريقة هي السذاجة بعينها “. حتى حينما كنا نصلي التراويح في رمضان كان من الصعب الاستماع إلى أئمة المساجد وهم يدعون للثورة السورية من دون أن يخصصوا دعاءهم لنصرة أهل السنة في سوريا ضد النظام العلوي.

هذه السردية الخاطئة للثورة السورية كان لها نتائج مريرة في الواقع  المحلي والعربي، فقد تم تأطير الثورة السورية بإطار طائفي، وشحن الشباب داخل السعودية وتعبئتهم ضد الشيعة والصفويين باعتبارهم هم من يرتكبون المجازر ضد أهل السنة، ووصف المعركة هناك بأنها معركة سنية – شيعية. لم تسهم هذه السردية للصراع في شحن الشباب السعودي ودفعهم للذهاب إلى سوريا للقتال بدافع طائفي فقط (مع التسليم بأن هناك من ذهب لنصرة المظلومين ضد المستبد لكننا نتحدث بشكل عام عن مجموعة كبيرة ذهبت بسبب التحريض الطائفي وانضمت لجماعات القاعدة هناك ومارست القتل على الهوية)، بل أيضاً أدت إلى اضطرار كثير من الفصائل المقاتلة لتبني الهوية الطائفية رغبةً منها في الحصول على المال الخليجي، رغم أن أفرادها لم يعرِّفوا أنفسهم مسبقاً كـ”سنة” في المجال العام.

كان نتاج الخطاب السلفي الطائفي هو التواطؤ مع كثير من الجرائم التي ارتكبتها الفصائل المسلحة ضد شرائح واسعة من الشعب السوري. السلفية الحركية لم تنتقد الفصائل المسلحة حينما ارتكبت عدة جرائم بحق المدنيين, لكن ارتفع صوت الخطاب السلفي الحركي بشكل قوي جداً ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في الفترة الماضية محاولاً شيطنتها والمبالغة في تصوير وحشيتها، واستخدمت السلفية الحركية كل أدواتها الإعلامية للهجوم على داعش، ولم يكن ذلك لأنها متورطة في سفك الدماء وخطف المدنيين والقتل على الهوية, ولا لأنها تتبنى خطاباً طائفياً ونظرة طائفية للصراع، لكن كان نقدها لأنها فقط حاربت فصائل مقاتلة تتبنى نفس الخطاب السلفي. ففي بيان “علماء سعوديون يحذرون من الاستهانة بدماء المسلمين في سوريا” الذي وقع عليه عدة شيوخ سعوديين سلفيين من بينهم ناصر العمر وعبدالعزيز العبداللطيف، تحذيرٌ من الاستهانة بدماء المقاتلين لا دماء أبناء سوريا من مختلف المذاهب، وترد مصطلحات الباطنيين والصفويين لتعزز التوجه القائم على منع اقتتال الفصائل، وتحريضها على القتال صفاً واحداً بشكل طائفي, وهو ما أشار له ناصر العمر في تغريدة له : ” شباب الأمة .. ألستم ذهبتم لقتال الصفويين ! فما بال بعضكم ولغ في دماء إخوانه المجاهدين بعلل لا تغنيه من الله شيئا؟ “.

بصرف النظر عن أن داعش هي تجسيد للوهابية الأصلية في قضايا التكفير والولاء والبراء والجهاد وإن أنكر بعض السلفيين ذلك وتعاموا عن الشواهد التاريخية الدالة على هذا الأمر، فإن المهم هو أن الخطاب السلفي ليس لديه مشكلة أساسية مع سفك الدماء وخطف المدنين والقتل على الهوية الذي كان جارياً منذ مدة طويلة في الساحة السورية، لكن كانت لديه مشكلة كبيرة حينما تم ذلك لمن ينتمي لنفس العقيدة السلفية وفي داخل المعسكر نفسه.

لعل الأمر الأكثر أهمية الذي حصل في الثورة السورية هو تصالح الفكر السلفي الحركي وبعض الدعاة السلفيين مع فكر القاعدة, وقد انسجم الاثنان في تعزيز السردية الطائفية للصراع، وفي هذا السياق الفكري لم يكن لدى الشيخ محمد العريفي مانع في مدح جبهة النصرة وتلميع صورتها في سياق دعم الثورة السورية (وقد أشار في نفس الحوار أن القاعدة لا يتساهلون في التكفير ثم تراجع بعد ذلك). ومن الواضح تصالح الفكر السلفي الحركي في الخليج مع جبهة النصرة ودعمه لها رغم أنها إحدى فصائل القاعدة.

 القاعدة تماماً مثل السلفية تبنت رواية ثورة السنة ضد الشيعة، وكانت هذه هي المادة التي شكلت تحريضاً للشباب للقتال في سوريا, إذ أن الذين ذهبوا انضموا لفصائل مسلحة في غالبها لا تؤمن بالديمقراطية أو المواطنة بل ترفع شعار إقامة “الدولة الإسلامية”، وقد حملوا السلاح بصفتهم “سنة” يدافعون عن “سنة” للوقوف في وجه مشروع صفوي/علوي. وتم الزج بالشباب السعودي بسبب هذا الخطاب في معركة طائفية ودفعه عبر الشحن الطائفي لتحقيق أهداف طائفية وإنتاج احتراب أهلي في المشرق العربي.

الخطاب السلفي مسؤول بشكل مباشر عن تحريض الشباب للقتال في سوريا،  وهو خطر كبير على كل ثورة في العالم العربي، لأنه لا يستطيع المحافظة على تماسك بنية الأمة بل يقسمها, وهو خطاب طائفي بالضرورة في حالة تسييسه، ونحن نرى نتائج تسييسه في الحالة السورية.

خطاب الكراهية الطائفي الذي يشتمل عليه الفكر السلفي هو أمر خطير وينذر بانشطارات عمودية داخل المجتمعات العربية, فهذا الخطاب لم يكن مساهماً في تفتيت المجتمع السوري فقط، بل له دور في صنع أزمة طائفية في السعودية أيضاً.

في نظرنا أنه كان بالإمكان أن تتم الاستعانة بالشباب في نصرة الثورة السورية على نظام الطاغية لو أن هذا تم داخل خطاب عربي جامع يتبنى فكرة المواطنة كمعيار للحقوق والواجبات، وأن تقوم قبل هذا كله الجيوش العربية بمهمتها في تمثيل مصالح الأمة العربية وتتدخل للحفاظ على تماسك بنية المجتمع السوري ضد الانقسام الطائفي، ولهذا الفعل شرعية تاريخية وقانونية وأخلاقية (على النقيض من تدخل الجيوش الغربية) إذ أن الجيوش العربية تدخلت في لبنان في السابق لحفظ الأمن والسلم الأهلي.

 إن حديثنا عن التوجه العروبي، وعن الرابطة العربية كرابطة جامعة، هو ضرورة في الظرف الذي نعايشه عربياً لتحقيق عدة أمور من أهمها مواجهة خطاب التحريض الذي يفتت الأمة العربية ويحولها إلى مجموعة طوائف متصارعة تستجدي التدخلات الخارجية, والوعي العربي هو الحامي من مثل هذه الخطابات لأنه كما ثبت بالتجربة أمامنا: إذا انزاح الوعي العربي من المشهد فإن البديل لن يكون وعياً سورياً أو عراقياً أو مصرياً أو سعودياً ..الخ. بل سيكون البديل هو هويات أولية من قبيل الهويات الطائفية.

من هنا تكمن خطورة انتشار خطاب كالخطاب السلفي الطائفي، فهو يقلب وجهة المعركة ضد الاستبداد إلى الاحتراب الأهلي وإشعال الفتن الطائفية، وهو ما يشكل تهديداً وجودياً لتماسك المجتمعات العربية.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق