إلى أن يشاء الله

الكاتب:

6 أغسطس, 2013 لاتوجد تعليقات

الإصلاح المتدرج المقدم من خلال الوعود الحكومية.. مما يشتكي؟

جزء من  الرد على مطالب الإصلاح هو أن الدولة ساعية للإصلاح وتطلق الوعود بخصوصه، وقد ذكرنا سابقاً أن المأخذ على الإصلاح برعاية حكومية متفردة أنه ناتج ضغوط خارجية لذلك يأتي بطيئًا وشكليًا، وهذا ليس بجديد، والأمثلة كثيرة، فالإصلاح السياسي الطفيف بعد الحادي عشر من سبتمبر فُرض بتدخل من الولايات المتحدة، وإصلاح القضاء جاء بعد شروط دخول منظمة التجارة العالمية، حتى سن قوانين الحماية الفكرية سواء في التأليف أو برامج الكمبيوتر لم يأتِ إلا بعد المراتب المتدنية التي حازتها المملكة في هذا المجال لأجل تحسين صورتها لدخول منظمة التجارة. ويشمل الأمر تحسين أوضاع المرأة الذي أتى نتيجة ضغوط لدخول اتحاد البرلمانات الدولي الذي يشترط وجود المرأة في البرلمان .

هذا الواقع يجعل المدافع عن النهج الحكومي في الإصلاح  عاجزًا عن إنكار التقصير وعدم ترجمة الوعود إلى واقع، لذلك يرفع شعار “التدرج  في الإصلاح” مستفيدًا من تصريحات المسؤولين في الدولة، ويستدل مثلاً بحديث الملك عبدالله بعد عريضة عام 2003 م التي  تدعو إلى الإصلاح الدستوري ” تتابع الدولة بعون الله مسيرتها الإصلاحية التدريجية المدروسة، ولن تسمح لأي كان أن يقف في طريق الإصلاح، لا بحجة الجمود، ولا بدعوة البلاد إلى القفز نحو المجهول والانخراط في مغامرات مجنونة ” .

التدرج هنا موضع نقاش، لأنه يضع الانسان في حيرة، فالمدة قد تكون إلى أن يشاء الله، فلا الدولة تضع جدولًا زمنيًا واضحًا، ولا يوجد من يراقب سير الإصلاح، فهو رهن مزاج المسؤولين ورغبتهم الشخصية وعدم تعارض مصالح بعض النافذين مع خطط الإصلاح، ورهن التحولات والظروف الداخلية والخارجية.

سياسة الدولة في إطلاق الوعود لامتصاص الغضب بدون تحديد وقت لتنفيذها هو ما يُفسر قسوة الرد على موقعي العريضة التي قُدمت عام 2003 م لأن الموقعين حددوا فترة زمنية للدولة لتحقيق المطالب، والسلطة عادةً لا تقبل تحديد مواعيد ولا جداول زمنية.
قد يعتقد المتابع لتكرار عبارات التدرج في الإصلاح أن المطالب وليدة اللحظة وأن المطالبين بالإصلاح مجموعة من المتهورين، لكن المتتبع لتاريخ الدولة يرى أنه منذ تولي الملك فيصل رئاسة مجلس الوزراء عام 1962 م،  أعلن عن برنامج وزاري يتألف من عشر نقاط منها وضع النظام الأساسي للحكم وتكوين مجلس الشورى ووضع نظام المناطق، بعض النقاط لم تتحقق إلا بعد عشرات السنين، وبعضها لم يتحقق إلى الآن، ولم يستطع الملك فيصل إلا أن يحقق مادة واحدة هي تلك المتعلقة بتحرير الرقيق، وبالرغم أن الكثير يعتبر ذلك إنجازًا للملك فيصل، إلا أن حقيقة الأمر هو تعرض المملكة لضغط ونقد مستمر من المنظمات الدولية، لذلك ومسايرةً للحركة العالمية التي أطلقتها هيئة الأمم المتحدة بعد تبنّيها لبروتوكول مؤتمر الرق عام 1955م، سارعت السعودية لإلغاء الرق، وأرسل حينها الرئيس كينيدي رسائل تهنئة إلى الأمير فيصل يشكره على هذه الخطوة، ويعلن عن عصر جديد في العلاقات الأمريكية والسعودية. ومن تداعيات هذا القرار( إلغاء الرق) التزمت الدولة بدفع تعويض بقيمة 700 دولار للعبد الواحد يُعطى لمالكه، ويقال أن الدولة رصدت ما يقارب 15 مليون ريال كتعويضات دفعت أغلبها للأمراء الذين في الغالب ألغوا اسميًا ملكية عبيدهم .

وبعد استعراض وعود الملك فيصل كنموذج للإصلاح الحكومي نعود للمطالبات الشعبية للإصلاح التي تثبت أنها ليست وليدة اللحظة، ولا هي تهورًا متماشياً مع أوضاع المنطقة، فمثلاً رصد أحمد عدنان في كتاب (السجين 32) بعض المطالبات في أول الستينات، من يقرأها يظن أنها كُتبت في جريدة صدرت بالأمس نظرًا لأن المطالب هي ذاتها مطالب اليوم، فكتب عزيز ضياء في (صحيفة الندوة) 62م للمطالبة بمناقشة نظام الحكم ونظام القضاء، وكتب محمد سعيد طيب عام 63 م للمطالبة بخطوات إصلاحية نوعية كإجراء الانتخابات، وانتقد هشام علي حافظ عام 63 م تعيين أمير لمكة من الأسرة الحاكمة وطالب بحق أهل مكة في انتخاب أميرهم .

ومما كان يكتب في الصحف إلى البيانات المطالبة بضرورة الإصلاح نجد أن أول بيان مدني يطالب بالإصلاح هو ” العريضة المدنية ” قدمت عام 1990 م، وعرابها الشيخ أحمد صلاح جمجوم، وتتضمن المطالب تنظيم الفتوى والقضاء وإعادة العمل بالمجالس البلدية، و ضمان حرية الاعلام، و تمكين المرأة، وبعد ذلك في عام 1991 م توالت المطالب مثل خطاب المطالب وتلاه مذكرة النصيحة، وعلى اختلاف الموقعين على العرائض كان هناك إجماع على مطالب معينة كاستقلال القضاء و الحفاظ على المال العام .

وتلا ذلك البيانات بعد الحادي عشر من سبتمبر، أبرزها بيان ” رؤية لحاضر الوطن ومستقبله ” الذي كتب نصه الأولي الدكتور توفيق السيف بعد مشاورات وتنسيق مع عبدالله الحامد وسليمان الرشودي وعلي الدميني ونجيب الخنيزي وآخرين، وكان صدى البيان واسعًا بسبب رفع سقف المطالب، و بسبب تمثيل الخطاب لتيارات مختلفة وشخصيات من جميع مناطق المملكة .

ما سبق من استعراض شيء من مسيرة المطالبات الشعبية بالإصلاح قد لا يكون جديدًا، ولكن لمراجعة المدة الزمنية التي مضت على هذه المطالب لإبراز أي ظلم وبهتان يقوم به من يخرس أصوات الإصلاحيين بحجة التدرج في الإصلاح .

وإجابةً على سؤالنا الأول ” الإصلاح المتدرج المقدم من خلال الوعود الحكومية.. مما يشتكي؟ “، يمكننا أن نقول أن الشكوى بشكل رئيسي تكمن في المدى الزمني المفتوح الذي -كما رأينا من خلال هذا الرصد البسيط- قد يأخذ عقوداً دون أن يحصل خلاله أي تحول إصلاحي حقيقي، وأن مسألة التدرج لا يمكن فهمها إلا كتسويف طالما أنها لا تحمل خطة عمل واضحة تقود إلى إصلاح حقيقي، لذلك يشكل تكرار المطالب منذ عشرات السنين إلى الآن إشارة واضحة تنسف حديث المدافعين عن فكرة التدرج المفتوحة.

وهنا في نهاية المقال أتذكر ما كتبه أ.عبدالمحسنِ هلال “أن أنظمة حكم وضعها بشر ترفض التغيير مع أن الخليفة عمر ابن الخطاب  -رضي الله عنه – لم يفصله عن عصر النبوة سوى سنتين، مضى يجدد ويستعين بعلم غيره وعلم عصره في بناء دولته وخلق وظائف مدنية جديدة لم تكن معروفه أيام الرسول – صلى الله عليه وسلم- كإنشاء ديوان الجند ونظم البريد ولم يقل له أحد الصحابة إن هذا إحداث في الدين “.

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق