النسوية السعودية وخصومها، والمعركة المقدسة!

الكاتب:

10 فبراير, 2013 لاتوجد تعليقات

ليس السؤال ماذا ستنجز المرأة في مجلس الشورى، ولكن السؤال ماذا أنجز الرجل فيه من قبل؟! كثيرا ما يثير السؤال السابق حفيظة النسوية السعودية التي ما تزال تقرع طبول النصر ابتهاجا بدخول المرأة للمجلس، حتى أن سؤالا من هذه النوعية من الممكن أن يعكر عليها صفو فرحتها بالنصر المبين؛ لتضع مَنْ يثيره في خانة العداء للنسوية “المجيدة” والانتصار للذكورية “الغاشمة”. في حين أن سؤال الفعالية سيصب في مصلحة النسوية أولا، فإذا ما أعطي المجلس صلاحيات حقيقية سينعكس ذلك على أداء المرأة فيه. لا شك أن سؤال فعالية المجلس سؤال مشروع بل لزوم ما يلزم، في ظل فشل المجلس وتحنطه وجموده وبتر صلاحياته وعدم قدرته على الفعل الحقيقي، وفي ظل ما تمر به منطقتنا العربية من زوابع عاصفة، فضلا على ارتفاع النبرة الحقوقية عاليا وامتداد أثرها لشارعنا السعودي. بناءً عليه لا يشكل السؤال الآنف تشكيكا في المرأة أو تبخيسا وانتقاصا من نساء الشورى، ولكنه يسائل دور المجلس العقيم وفعاليته المبتورة ناهيك عن بعده عن التمثيل الشعبي  وانحصاره في أطر التعيين الحكومي .

من الممكن أن تستثمر النسوية السعودية سؤال فعالية المجلس، خاصة وبوادر عدم قدرة المرأة على تحقيق ما يذكر في المجلس تلوح في الأفق، فالحال ما يزال يراوح مكانه، ولا يبدو أن هناك أي تباشير توحي بأن هناك تغييرات نوعية تتعلق بصلاحيات المجلس في القريب العاجل. تستطيع النسوية السعودية أيضا الخروج من كهف فئويتها الضيق إلى رحاب خطاب وطني جامع يضع في اعتباره هموم الإنسان السعودي وشجونه بإثارة هذه النوعية من الأسئلة أولا، خاصة وخطاب النسوية في مجمله يبدو متراجعا ومتأخرا عن خطاب الشارع السعودي المتأجج على ” تويتر” وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، ولا أدل على ذلك من وسم #مجلس-شورى-منتخب. وفي حين يتحدث الشارع عن صلاحيات تشريعية ورقابية وانتخاب الأعضاء، تنتشي النسوية السعودية بنصرها وتكاد تنحصر مطالباتها باحتكار نصف المجلس للنساء، وهو الذي لم يتحقق للمرأة في برلمانات الدول الراسخة في الديموقراطية! وفي حين تشتعل النضالية وترتفع النبرة الحقوقية إذا ما تعلق الأمر بمنح نصف المقاعد للنساء، يتراجع الخطاب ويفقد صبغته المشاكسة وشراسته عند الحديث عن صلاحيات المجلس وعدم فعاليته والمطالب الوطنية بانتخاب أعضائه، بل قد يصل الأمر للتنكر لمبادئ الحرية والديموقراطية وقيمهما نفسها والدفاع عن آلية التعيين الحكومي ما دامت هي التي كفلت للمرأة حضورا في المجلس! مما يفقد النسوية السعودية مصداقيتها وتعاطف الشارع معها، حيث تطل من برجها العاجي غير قادرة على الاتساق والانسجام مع معطيات الواقع واستحقاقات المرحلة والمطالبات الشعبية المشروعة.

وهنا يبدو الخطاب النسوي أيضا خانعا ومستكينا للسياسي راضيا بعطاياه، ومتغافلا عن دوره الجوهري في تكريس أوضاع المرأة المتدنية، ومتعاميا ومنكرا لاستخدامه المرأة بصفتها ورقةً في اللعبة السياسية، بل متجاهلا أن القضية التي انشغل بها المشهد كثيرا ” قيادة المرأة للسيارة ” من الممكن حسمها بقرار سياسي على غرار قرار إشراك المرأة في الشورى، وسيُمتثَل للقرار والرضوخ له في نهاية الأمر.

من منطلق التحزب والاصطفاف أيضا يوضع حديث الحضور الديكوري لنساء الشورى واستخدامه صورةً للتصدير في خانة المحرمات، كيف لا وهو أحد المفردات التي يستخدمها التيار الديني في حربه الشعواء ضد أي تحديثات متعلقة بالمرأة! وهكذا تركل كرة القضايا المهمة بين أقدام التيارين، وتضيع في حمى أم المعارك المقدسة بينهما، فيكاد يختفي النقد الموضوعي للمجلس من خطاب النسوية السعودية- إلا قليلا- خوفا من تجييره لصالح وجهة نظر التيار المناوئ! وتُنقد فعالية المجلس وآداؤه على الفسطاط المقابل، في منهجية ذرائعية برجماتية تقدم النقد لتصل إلى هدفها الأول والأهم في المعركة المقدسة وهو قرار المرأة في بيتها وإزاحتها عن الفضاء العام. وكما تبدأ قضية الليبرالية (الشكلانية) بالمرأة وبعض الإصلاحات الاجتماعية دون مطالبات بإصلاحات سياسية حقيقة، يتساوق معها خطاب التيار الديني التقليدي فهو يبدأ بالمرأة ويتنهي بها مختزلا الفساد في جسدها وحضورها في الفضاء العام، متعاميا عن الفساد الأكبر ونهب مقدرات الوطن.

لا يمكن إصلاح أوضاع المرأة من الأعلى إلى الأسفل، فها هي نورة الفايز تحتل منصبا رفيعا في وزارة التريبة والتعليم، ولم يساعد تعيينها في حل مشاكل المرأة المزمنة والمتراكمة في الوزارة. وفي حين احتلت النساء 20% من المقاعد في قبة الشورى، يبدو المشهد ممعنا في الكوميديا السوداء عندما يقبض على امرأة قادت السيارة لإنقاذ زوجها المريض ويؤخذ عليها تعهدا بعدم الإقدام على فعلتها مرة أخرى!، وفي مزيد من التناقض العجائبي يُبلغ وليها بخروجها ومقدمها للبلاد برسالة جوال. كما أن تعيين المرأة في مجلس الشورى لن ينعكس على حياة المرأة المطحونة والمقهورة، التي تعاني الأمرين من واقع يتكالب عليها فيه الاجتماعي الثقافي مع الخطاب الوعظي، وتؤطر الصورة بأنظمة حكومية تغلق عليها المنافذ.

وقد سبق أن كتبت عبر هذا المنبر أن دخول المرأة للشورى معنوي فقط، وقد يساهم في محاولة تفكيك الصورة الدونية النمطية المترسخة في اللاوعي الجمعي، التي من الممكن رصد تجلياتها في عشرات النكات الساخرة عن نساء الشورى التي هطلت من مختلف أقنية التواصل الحديثة، التي شاركت بعض النساء أنفسهن من تبادلها وإطلاقها، بل وصل بعضها إلى الفبركة وتزييف الأخبار. مما يدلل على أن تفكيك الصورة الدونية يحتاج إلى جهد كبير، يمتد إلى البنى الفكرية والأنساق الثقافية ومما يستدعي عملا جادا ومنهجيا على الخطاب التعليمي والإعلامي والثقافي والوعظي، وذلك كله يحتاج لإرادة سياسية صارمة قبل كل شيء.

وعودة لخطاب النسوية السعودية، فإنصافا لابد من ذكر أن هناك ندرة من الأصوات الصادقة مع نفسها، أثارت أسئلة فعالية المجلس ودوره متطلعة إلى انتخاب أعضائه. فيما حاولت أخرى نقد معايير تعيين نساء الشورى والتساؤل على أي أسس اعتمدت، وطرحت أسئلة أخرى عن تجاهل وتجاوز بعض المناطق والجامعات في المملكة، وعن الحكمة من تعيين إحدى عشرة سيدة من تخصصات طبية أو علمية دقيقة. ولكن يبقى السؤال هل تستطيع أقدر السيدات والرجال وأكثرهم خبرة وتمرسا في الشان العام ونشاطا حقوقيا على الإنجاز في مجلس الشورى، في ظل بقاء حاله وصلاحياته على ما هي عليه ؟!

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق