“عربياً.. عن القطاع الثالث أحدثكم”

الكاتب:

8 فبراير, 2013 لاتوجد تعليقات

القطاع الثالث (NGOs) والموصوف بأكثر من تسمية كالقطاع غير الحكومي أو المنظمات غير النفعية أو العمل التطوعي وكلها مسميات لمسى واحد وهو القطاع الذي يعدّ مكملا لثالوث البنية التنموية في المجتمعات المتقدمة “القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الثالث الخيري”، فالولايات المتحدة الأمريكية مثلا تحتضن أكثر من مليون ونصف مؤسسة خيرية تعمل نظاميا داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها وفي مناطق الصراع والنزاع وتقدم الدعم الخيري واللوجستي حول العالم، وتبلغ إيراداتها أكثر من 800 مليار ريال سنويا، وتعمل في مجالات شتى وأعمال تطوعية مختلفة اجتماعية وخيرية وحقوقية وكثير من أنشطتها عابرة للقارات ومساهمة في ذات الوقت في دعم السياسة الخارجية الأمريكية ومكملة لها، ولا شك أن القطاع الخيري إذا ما أحسنت الدولة تنظيمه وتبنيه ومراقبته سيساهم بشكل كبير في دعم البنية والبيئة الداخلية لأي بلد، حيث إن القطاع الخيري يسهم في سد عجز القطاعين الحكومي والخاص، وإكمال ما يمكن أن يكون قصورا في اختصاصها النظري ومجالها العملي، ولذا فإن القطاع الثالث وتنوعه وقوته دليل على عمق الحراك المجتمعي الوطني لأي بلد والرؤية المستقبلية المتكاملة والمشتركة لمشكلات المجتمع وحاجاته التي يعجز القطاعان الحكومي والخاص عن تلبيتها.

إن الراصد للحراك الغربي في العالم كله يلحظ عمق القطاعات الثلاث وتكاملها في دعم هدف تلك الدول واستراتيجياتها داخليا وخارجيًّا، فقطاعاتها الحكومية ومنظماتها الدولية التابعة مثلا تدعم قراراتها الدولية وتضغط باتجاه إقرار سياساتها الخارجية بغطاء سياسي دولي تماما كما يحدث اليوم في دولة “مالي” فالأمور تمت للحكومة الفرنسية بسهولة ويسر للتدخل العسكري في مالي في مقابل إحجام فرنسا وغيرها من القوى الدولية في استصدار قرار دولي لوقف نزيف الدم في سوريا، هذا ما يخص القطاعات الحكومية، أما ما يخص القطاع الخاص فإن الدول الكبرى في العالم تمتلك اقتصاديات تتغول في العالم كله مستثمرة أنظمة التجارة الدولية وحقبة العولمة الثقافية، فالمواطن العربي في أي دولة عربية يسير في الشارع وهو يسوّق للاقتصاديات الدولية بملابسه ومستلزماته التي طبعت عليها أسماء الماركات العالمية، وأما ما يخص القطاع الثالث فإن الدول الغربية تدعم منظماتها التطوعية والحقوقية الدولية لتساهم في فاعلية ونجاح كثير من الأوراق والملفات السياسية التي لا يمكن البوح بها على المسرح السياسي الرسمي .

أما الراصد لحالة العالم العربي فإن القصور يعتري القطاع الحكومي والخاص في حين أن القطاع الثالث شبه عفوي وتلقائي وربما مغيب في أطراف كثيرة من الوطن العربي، فالمنظومة العربية عاجزة عن تسويق سياساتها الخارجية وقراراتها وفق مصالحها واستراتيجياتها الخارجية ، كما أن اقتصادياتها تعجز عن سدّ حاجتها المحلية فضلا عن تصديرها للخارج، أما ما يتعلق بالقطاع الثالث الخيري وهو محور حديثنا فهو كذلك يعاني ذات القصور لاسيما مع المشكلات الدولية التي واجهت هذا القطاع خصوصا أعقاب أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001 م وحالات الفوضى التي كان يعيشها هذا القطاع، وعجز الأنظمة العربية عن تقنين القطاع الخيري ومراقبته ودعمه فيما يخدم مصالحها وسياساتها الخارجية بعد الحملة العالمية على كثير من المنظمات الخيرية العربية في الخارج.

ما يمكنني إضافته هنا هو أن القطاع الثالث بكافة أنشطته الاجتماعية والحقوقية والإغاثية يمكن استثماره في تحريك ودعم توجهات الدول العربية وقراراتها وسياستها الخارجية داخل جغرافيتها العربية أو حول العالم، وذلك لسبب واحد وهو أن استصدار غطاء أو موافقة دولية على أي موقف أو مشروع عربي تجاه قضاياها المصيرية أمر متعسر وطويل الأجل لاسيما في ظل النظام العالمي الجديد والقوانين والأعراف الدولية والأدبيات الدبلوماسية، وما يمكن عمله هنا هو أن تقوم المنظومة العربية بدعم سياسات دولها الخارجية من خلال العمل التطوعي والإنساني والخيري في المناطق الساخنة، التي تهمّ المنظومة العربية  ككل، وبهذه المتوالية يمكن للدول العربية أن تنظم جهودها الشعبية والقومية في إطار عملها الخيري والإغاثي في ذات الوقت الذي تدعم فيه مواقفها وسياساتها الخارجية، وليس أقرب في أذهاننا من الحالة السورية، فإن جامعة الدول العربية تواجه عوائق دولية في إنهاء هذا الملف في ذات اللحظة التي تتزايد فيها معاناة هذا الشعب وممارسات النظام السوري الوحشية تجاه شعبه، وعلى  الرغم من المساعدات والمبادرات التي أعلنتها عديدٌ من الحكومات العربية لدعم الشعب السوري إلا أنها تحتاج إلى تفعيلها وتسهيل مهمة إنجاحها بدعم المؤسسات الخيرية والإغاثية العربية لتخفف المعاناة السورية وتزيد من صمودها .

إن القطاع الثالث له ما وراءه من أهداف إنسانية ودعم لمواقف المنظومة العربية الرسمية، بل إن تنظيم  القطاع الثالث ودعمه ومراقبته سيساهم في تخفيف الضغط والاحتقان الشعبي العربي تجاه قضاياه المصيرية والأممية ومواقفه الرسمية العالقة، وسوف يساهم كذلك في دعم سياسات الدول العربية الخارجية بمزيد من المرونة والحرية، فالعمل الإغاثي والخيري لا يمكن تعطيله أو إجهاضه داخل دهاليز السياسة ومساراتها المعقدة كما يحدث للعمل السياسي والدبلوماسي أحيانا كثيرة، ومع ذلك فإن الخطوة الأولى والأهم تكمن في إنشاء هيئات عليا منظمة للمؤسسات والأعمال التطوعية العربية ومشرفه عليها، مع سنّ أنظمة وتشريعات خاصة بأنشطة المجتمع المدني والعمل الخيري مع أهمية مطالبة هذه المؤسسات بتقديم مراكزها وقوائمها المالية السنوية، وأن تفصح عن أنشطتها وأعمالها بتقارير ربع سنوية وسنوية لمنع أي تجاوزات في التعامل مع مصادرها ونفقاتها المالية .

خاص بموقع “المقال”

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق