الخليجي الأبكم

الكاتب:

4 ديسمبر, 2012 لاتوجد تعليقات

تؤمن الأنظمة الخليجية بالمثل القائل: إذا كان الكلام (في السياسة) من فضة فالسكوت من ذهب. السكوت ليس بمعنى الصمت الاختياري حينما لا يملك المرء ما يقوله في السياسة والمجتمع، بقدر ما هو سلب لإرادة الشعب وتكميم أفواه المواطنين الذين يشعرون بأن شيئا ما في هذه الأوطان يحتاج لإصلاح أو تغيير.

يوم بعد آخر تظهر صورة القمع عاريا في الأمارات والممالك بشكل أوضح، وتتبدد كذبة الرفاهية التي صنع صورتها الاقتصاد الاستخراجي (النفط، الغاز)، حتى لا يكاد يبقى منها سوى صدى مردديها من أبواق جُبلت على تسليع الثقافة وعلى ترديد أسطوانات مشروخة عن دولة التنمية (الحجرية)، دون أن تلتفت لما تعنيه التنمية الشاملة في قواميس المنظمات الدولية، حيث يقع في صلب اهتماماتها تطوير العلاقة بين المجتمع والنظام السياسي، وما تتطلبه هذه العلاقة من إصلاحات قانونية ومؤسساتية، وما سوف تنتجه هذه التنمية -إن حدثت- من ترقية نوعية في مستوى الوعي والثقافة والطموح والأماني لهذه الشعوب التواقة للحرية. من يضع التنمية في مواجهة مع الحرية اليوم؟ من؟ من يريد أن يقايض بين الطعام والملبس وبين حرية الاختيار؟ من سوى “مثقفي المنهج الرسمي” وملاكهم، بعد الإذن طبعا من نزار قباني.

لكن وسط كثافة قمع المسيرات السلمية، ومسيلات الدموع، والغازات السامة، وسحب الجنسيات، والمحاكمات العبثية ثمة ما يدعو للتفاؤل، بصيصٌ من الأمل بزغ بين ثنايا الكلمات (لن نسمح لك) التي ابتكرها الناشطون من أجل التعبير عن رفضهم تأليه الذوات البشرية ورفعها لمستوى الذات الإلهية، وهي في الحقيقة معركة كانت مؤجلة طيلة عقود مضت، بين من هم أسفل الهرم، وبين من يتربعون على رأس الهرم باسم الجلالة، بين من يتنعمون بكل شيء، ومن يحرمون من كل شيء إلا الفقر. معركة تستبطن صراعًا تاريخيا خاضته شعوبٌ حتى تحررت وصنعت تعاقدًا مدنيا يُنظم علاقة الحاكم بالمحكوم. وهي معركة طبقية بامتياز، وليس الدين فيها أكثر من أداة. معركة بين مُلك مطلق يعتقد الحاكم أنه أستحقه بالوراثة وبآيات من الذكر الحكيم، وبين شعب وجد نفسه في عبودية لم يخترْها بل فرضت عليه، وقد قرر أن لا يبرح الساحات دون الانعتاق منها. شعب الخليج يبدو أنه لن يتراجع دون أن يضع في صميم النظام السياسي لنفسه مكانا يليق به كإنسان.

لكننا أبتلينا بحالة ثقافية وإعلامية رثة، تفتقر لأدنى مستوى من الحرية والندية في العلاقة مع المسؤول، حتى صار بعض الإعلاميين يتمخطر برفقة السجان بحثا عن مخرج من المآزق (معتقلو الرأي) الذي وضعت السلطة نفسها فيه في أكبر قضية رأي عام عرفها الشارع الخليجي. وكأن المشهد ينقصه بعض الكوميديا البلهاء.

إن الخليجي الأبكم سياسيا هو المواطن الطيب بحسب معايير السلطة. كل من يسعى لتعلم النطق في شؤون الحكم يُرمى بالعمالة، ويُتهم في وطنيته، ويساق للمحاكم. لكن ما يثلج الصدر في قضية معتقلي الرأي في الخليج إن الناس أصبحت تُجيد النطق بمفاهيم الحرية والعدالة.


Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا يوجد مقالات ذات صلة

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق