فيلم كروة :توريط الفن في الخطاب العنصري ؟

الكاتب:

30 أكتوبر, 2012 لاتوجد تعليقات

شهد العامان الماضيان بروز نجم الإعلام الجديد بريادة الشباب ، وكان رائعًا أنك تستطيع أخيرًا أن تستمع إلى الشباب يتحدثون مباشرة –فعلاً- حول كل/أي فكرة تخطر ببالهم ، الجيد أن هذا النشاط كان في معظمه مسؤولاً ، موجهًا لقضايا عامة ، واعيًا بمجتمعه وناقدًا مخلصًا لمشاكله  ، ولعل فيلم مونوبولي الذي أنتج العام الماضي وتناول مشكلة الإسكان و ضعف فرص العمل  بشكل ساخر كان الأول من نوعه من حيث هو عمل فني شبابي محلي نطق عن المجتمع وللمجتمع ،  وكان إيذانًا بدخول ثقافة الفن كأداة تعبير واحتجاج مسؤولة تستطيع إيصال ما لاتوصله الكتابات و الخطابات والعمل الميداني . كان الفيلم بارعًا من حيث السيناريو بل و الإخراج  قياسًا ببساطة الإمكانات ،وبدا أن الشباب استطاعوا الاستفادة من حرية الاعلام الجديد وأدواته ، بما يجعلنا على الطريق الصحيح فيما يخص توجيه الرسالة الفنية والإعلامية الصحيحة المعبرة عن هموم المجتمع وقضاياه الأساسية.

قبل عدة أيام أطلق فريق العمل فيلمهم الثاني كروة  والذي سلط الضوء على مشكلة البطالة بنفس طريقة الكوميديا السوداء ،  يعرض الفيلم قصة مجيد ومجموعة من الشباب الآخرين الذين يواجهون جميعًا صعوبة في إيجاد وظائف ملائمة ، مما أدى بمجيد لمحاولة الانتحار ، وبالشباب إلى خلق “نشاطهم” الخاص متخذين من سيارتهم “الفان” مقرًا له .

يحاول الفيلم السخرية من مشروع السعودة الذي تم تصويره كحل سحري سيقضي على البطالة في سياق تحميل القطاع الخاص مسؤولية احتواء الشباب العاطل في وظائف “ملائمة”  ، يقوم الفيلم بذلك من خلال قصص الشباب وخاصة مجيد الذي خرج من الجنوب إلى الرياض “مهاجرًا” بحثًا عن عمل ثم لم يوفق . و بينما يحاول الفيلم إضحاك المشاهد على واقعه ، وقع في خطئين قللا من قيمة العمل من حيث هو فني رسالي أولاً ، و من حيث هو يهدف إلى مواجهة مشكلات المجتمع وبالتالي دفعه للتغيير ثانيًا.

 الخطأ الأول هو سطحية عرض مشكلة البطالة كأنها تكمن في فشل الجهات المسؤولة في تطبيق نظام السعودة وتحميل القطاع الخاص المسؤولية وكأنه المتسبب الوحيد أو الفعلي عن نقص الوظائف ، حيث يصور الفيلم منافسة الأجانب للسعوديين على الوظائف واكتساحهم القطاع الخاص “كأصحاب عمل” ينبذون الشباب السعودي ويذلونه . وقد كان الأجدى لمن يريد أن يعرض المشكلة بحجمها وأبعادها ، أن يقوم بتوجيه النقد للنظام الاقتصادي بكامله وتحميل السلطة مسؤوليتها عن هذه السياسة الاقتصادية والتي يلخصها الأستاذ عصام الزامل في الفيلم نفسه حين يقول أن الاقتصاد الريعي هو المشكلة و “لا حل جوهري  إلا بالتحول من الاقتصاد الريعي لاقتصاد منتج وصناعي ”  ، أي الاعتماد على إنتاج الانسان بدلاً من إنتاج الأرض الذي تتبنى الدولة ذات الاقتصاد الريعي توزيعه كمصدر دخل كافي للأفراد ومصدر دعم قوي للقطاع الخاص من دون إنتاجية حقيقية . وإذا لم تكن ثمة مشكلة في هذا النمط من الاقتصاد سابقًا ، فإنه لم يعد خيارًا ممكنًا وسط هذه الزيادة المستمرة في نسبة السكان- الشباب منهم تحديدًا-  فالدولة لم تعد قادرة على توظيف كل هؤلاء في وظائف حكومية كما في السابق ، و كذلك القطاع الخاص وسط اكتفائه بالعمالة –الرخيصة في الغالب- . وحين نتحدث عن الاقتصاد الريعي فهذا يجر معه الحديث حول البعد السياسي لهذا النوع من الاقتصاد وما يعكسه من عزلٍ للمواطن عن المشاركة الفعالة في دولته ، وتكريسٍ لتبعيته واعتماده على الدولة ، ليس فقط اقتصاديًا وإنما سياسيًا أيضًا . أقول هذا حتى يُفهم توجه السلطة و إصرارها على إبقاء سياساتها الاقتصادية ورفضها أو تباطؤها في التوجه نحو الحلول الجذرية .

يؤكد ديفيد روبنسون مدير إدارة الأبحاث في صندوق النقد الدولي في حوار مع جريدة  “الاقتصادية” ، أن العمالة الوافدة التي تكتظ بها الأسواق وأماكن العمل في السعودية لا تعد منافساً مباشراً للمواطنين على الوظائف ، حيث تعمل معظم اليد العاملة الوافدة في وظائف تعاني من نقص العمالة السعودية في الأصل، وبالتالي لا تعتبر منافساً مباشراً للمواطنين السعوديين. كما يذكر الأستاذ عصام الزامل -الذي تعاون معه الشباب في العملين- في إحدى تدويناته أن الوظائف القابلة للسعودة في القطاع الخاص (وهي التي تزيد رواتبها عن 2000 ريال ) لا تتجاوز 500 ألف وظيفة ، أي أنها في كل الأحوال لن تحل أو تخفض بشكل ملموس مشكلة البطالة .

هذا بخصوص عرض المشكلة ، أما الخطأ الأخطر من سوء عرض المشكلة أو تشخيصها – وهو خطأ أرجح أنه غير مقصود – ، فهو هذه الروح العنصرية المبطنة في مشاهد الفيلم ، والتي تصور الأجنبي وكأنه العدو المنافس الذي يحاول الاستئثار بثروات البلد والذي كان في كل المشاهد قاسيًا وساخرًا  ، يتجلى هذا في قصة مجيد بشكل مبالغ فيه ، حيث يهينه أصحاب العمل الأجانب فيطلق جملة مؤثرة ” صعب تنهان في بلدك ” وليس ” صعب أن تهينك بلدك ”  مثلاً  ، وهو التعبير الأصدق هنا .

في أوروبا وبعد الأزمة الاقتصادية -التي تنتج نفسها بشكل مستمر فيما يسمى الدورة الاقتصادية في النظام الرأسمالي- ظهرت مثل هذه الروح العنصرية التي تظهر عادة مع غيرها في المجتمع حين يتعرض لأزمة أو نكسة فيفرز عبر عدة أشكال أسوأ مافي لاوعيه من مشكلات مخبوأة ، ظهرت هذه الروح على شكل هجوم حاد على المهاجرين والوافدين الأجانب وبدعم من التيار اليميني في أوروبا الذي استفاد منها وحولها لصالحه محققًا مكاسب سياسية  ،وهذا ما يفسر صعود ووصول بعض الاحزاب اليمينية للسلطة ، وقد حذر وزير التعاون الدولي والهجرة الإيطالي من تنامي ظاهرة العنصرية إثر الأزمة الاقتصادية ، وتذكر التقارير حدوث مثل ذلك في فرنسا و أسبانيا وغيرها ، كذلك حذر مقرر  مجلس حقوق الانسان الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز “موتوما روتير” مؤخرًا  من تأثير الازمة الاقتصادية والمالية على زيادة العنصرية وكراهية  الأجانب بسبب استفادة اليمين المتطرف من تلك الأزمة في الدول التي تعاني منها .

وإن كانت العنصرية في مجتمعنا مغروسة في اللاوعي ولا تحتاج إلى من يحركها ، فإن مثل هذا الخطاب العنصري الذي ندينه على مستوى العامة ونحاول القضاء عليه لا يمكن أن نقبل صدوره من شباب مسؤول مبادر مهموم بقضايا وطنه، وخصوصًا في عمل إنساني كالفن الذي هو أبلغ في تأثيره على الجماهير من أي وثائقي أو مقال . الفن كأداة تغيير رسالية واجبه أن يعمل على مواجهة المجتمع بحقيقة مشاكله ويقدم النقد في مواضعه الصحيحة لا أن يخضع للأفكار والقوالب الجاهزة الموجودة في المجتمع لتحقيق شعبية أو انتشار لا يصبان في اتجاه التغيير المنشود وعلاج الإشكالات القائمة. إن هذا الأمر تحديدًا قلل من قيمة العمل ، فقد كان منتظراً من فريق العمل أن يساهم في خلخلة التفسير العنصري للأزمات الاقتصادية ويتصدى له ، وأن يقدم المشكلة على حقيقتها بطرح عميق يبتعد عن التناول السطحي الشعبوي لمثل هذه القضايا ، لكن ما حصل أن العمل استسلم لتفسيرات مسطحة لأزمة البطالة رغم نوايا صنّاعه الحسنة في محاولتهم مقاربة قضية هامة تمس الشباب ومستقبلهم في هذا البلد .

نقد الفيلم ينطلق من إيمانٍ بأهمية هذا النوع من الأعمال في إحداث التغيير الذي نسعى جميعًا لتحقيقه ، وبأهمية إيجاد حالة فنية متقدمة تنفذ إلى عمق قضايانا وتعالجها بجرأة وموضوعية مقدمة بذلك رسالةً تصنع وعياً جديداً في مجتمعنا ، ولعل صنّاع الفيلم يتنبهون إلى ذلك في القادم من الأعمال.

خاص بموقع “المقال”.

Twitter Digg Delicious Stumbleupon Technorati Facebook Email

لا توجد تعليقات... دع تعليقك

دع ردأً

يجب أن تكون مسجل دخول لإضافة تعليق